بيت الظلال تجربة رعب غامضة
في
إِحْدى ليالي الشتاءِ المُظْلِمةِ، قادَتْ ناديةُ سيارتَها إلى أطرافِ البلدةِ،
حيثُ يقفُ ذلكَ البيتُ المُتهالِكُ في وسطِ غابةٍ صغيرةٍ. كانَتِ الرياحُ تعصفُ
بأغصانِ الأشجارِ، وصوتُها يُشبهُ الهمساتِ البعيدةِ. توقفتْ أمامَ البوابةِ
الصدئةِ ونظرتْ إلى المنزلِ. بدا وكأنَّهُ يتنفَّسُ، الجدرانُ المُتهالِكةُ تتحدثُ
بلغتِها الصامتةِ، والنوافذُ السوداءُ تُراقبُ بصمتٍ.
فتحتِ
البوابةَ بخطواتٍ حذِرةٍ، إذْ أصدرتْ صريرًا مرتفعًا كأنَّها تئنُّ تحتَ وطأةِ
الزمنِ. شعرتْ بقشعريرةٍ تسري في جسدِها، لكنَّها تجاهلتْها ودخلتِ المنزلَ. كانَ
الظلامُ كثيفًا لدرجةِ أنَّها بالكادِ استطاعتْ رؤيةَ الأرضيةِ المغطَّاةِ
بالغبارِ، بينما كانَ صدى خطواتِها يترددُ في أرجاءِ المكانِ.
كانَتْ
رائحةُ الرطوبةِ والعفنِ تخنقُ الأنفاسَ، لكنَّ ناديةَ استمرتْ في استكشافِها.
وصلَتْ إلى غرفةِ المعيشةِ، حيثُ وجدَتْ كُرسيًّا خشبيًّا مكسورًا ومجموعةَ صورٍ
قديمةٍ على الأرضِ. التقطَتْ صورةً لإحدى العائلاتِ التي كانَتْ تعيشُ في المنزلِ.
فجأةً، شعرتْ ببرودةٍ غريبةٍ تلتفُّ حولَها، وكأنَّ الهواءَ أصبحَ ثقيلًا.
بينما
كانَتْ تفحصُ الغرفةَ، سمعتْ صوتَ خطواتٍ خفيفةٍ قادمةً مِنَ الطابقِ العُلويِّ.
توقفتْ للحظةٍ، محاولةً إقناعَ نفسِها أنَّ هذا مجردُ وهمٍ. لكنَّها لم تستطعْ
مقاومةَ الفضولِ، فقررتْ صعودَ السلالمِ التي كانَتْ تُصدرُ أصواتًا متقطِّعةً
كأنَّها تُحذِّرُها مِنَ المضيِّ قدمًا.
وصلَتْ
إلى الطابقِ العُلويِّ ووجدَتْ بابًا نصفَ مفتوحٍ. عندما دفعَتْهُ ببطءِ، كشفَتِ
الغرفةُ عنْ مشهدٍ غريبٍ. كانَ هناكَ مرآةٌ قديمةٌ مغبَّرةٌ في الزاويةِ، لكنَّ
الغريبَ أنَّ صورتَها لمْ تنعكسْ عليها. اقتربَتْ مِنَ المرآةِ ببطءِ، وعندما
نظرَتْ إليها بتمعُّنٍ، رأتْ امرأةً غريبةً تقفُ خلفَها، على الرغمِ مِنْ أنَّ
الغرفةَ كانَتْ فارغةً تمامًا!
تراجعتْ
ناديةُ مذعورةً، ولكنْ فجأةً انغلَقَ البابُ بقوةٍ خلفَها. بدأَتْ تسمعُ همساتٍ
غامضةً بلغاتٍ غيرِ مفهومةٍ. حاولَتْ فتحَ البابِ، لكنَّهُ كانَ مُقفَلًا بإحكامٍ.
شعرتْ ببرودةِ يدٍ تَمسكُ كتفَها، لكنَّها عندما استدارتْ، لمْ تجدْ أحدًا.
بدأَتِ
الجدرانُ تتحركُ وكأنَّها تتنفَّسُ. ظهرَتْ عليها كتاباتٌ غامضةٌ كأنَّها محفورةٌ
بمخالبَ. وسطَ كلِّ هذا الرُّعبِ، سقطَتِ المرآةُ على الأرضِ وتحطَّمَتْ إلى
شظايا، وكأنَّها كانَتْ تُخفي شيئًا خلفَها. مِنْ بينِ الشظايا، خرجَتْ امرأةٌ
شاحبةٌ ذاتُ عينينِ سوداويْنِ تمامًا.
اقتربَتِ
المرأةُ مِنْ ناديةَ ببطءِ، وهمسَتْ: "أنتِ أولُ مَنْ يزورُنا منذُ سنواتٍ
طويلةٍ... هلْ ستبقينَ معنا؟" حاولَتْ ناديةُ الصراخَ، لكنَّها شعرتْ بشيءٍ
يضغطُ على صدرِها، مانعًا إياها مِنَ الحركةِ أو الكلامِ.
فجأةً،
شعرتْ بأنَّها تُسحبُ إلى داخلِ الجدرانِ، وكأنَّها تبتلعُها. كانَتِ الظلالُ
تلتفُّ حولَها، وأصواتُ الضحكاتِ الغريبةِ تملأُ المكانَ. آخرُ ما رأتْهُ كانَ
صورةَ المرأةِ الشاحبةِ وهي تبتسمُ برعبٍ قبلَ أنْ يغرقَ كلُّ شيءٍ في الظلامِ.
في صباحِ اليومِ التالي، وجدَ سكانُ البلدةِ سيارةَ ناديةَ متوقِّفةً أمامَ البيتِ، لكنْ لمْ يعثروا لها على أثرٍ. وكلَّما حاولَ أحدٌ دخولَ المنزلِ للبحثِ عنها، كانَ يسمعُ صوتَ خطواتٍ خفيفةٍ وهمساتٍ خافتةٍ، وكأنَّ البيتَ يحتفظُ بسرٍّ جديدٍ بينَ جدرانِه.