يوسف ورحلة الفضاء
في مدينةٍ صغيرةٍ على حوافِّ الصحراءِ العربيَّةِ، حيثُ يتلوَّنُ الأفقُ بألوانِ الشفقِ كلَّ صباحٍ، وتَغمُرُ أشعَّةُ الشمسِ الرمالَ الذهبيَّةَ، عاشَ فتىً يُدعى يُوسُفَ. كان يُوسُفُ طفلًا عاديًّا، لكنَّه حملَ في قلبِه أحلامًا تفوقُ حجمَ مدينتِه الصَّغيرةِ. كان يقضي لياليَه على سطحِ منزلِهم الطِّينيِّ المتواضعِ، يُحدِّقُ في السَّماءِ المُرصَّعَةِ بالنُّجومِ، وكأنَّه يبحثُ عن مكانِه بين تلك العوالمِ البعيدةِ والكواكبِ الغامضةِ.
كان كلُّ شيءٍ حولَه بسيطًا، لكنَّ أحلامَه كانت شاسعةً كالصَّحراءِ. عندما كانت أُمُّه تسألُه: "ماذا تُريدُ أن تكونَ في المُستقبلِ؟"، كان يُجيبُ بثقةٍ وإصرارٍ: "أُريدُ أن أكونَ رائدَ فضاءِ!" كانت أُمُّه تبتسمُ، تتأرجحُ بين تصديقِ حماسِه واعتبارِه حلمَ طفولةٍ. لكنَّها لم تكن تستطيعُ إنكارَ لمعانِ الشغفِ في عينيهِ، ذلكَ الوميضُ الذي يُشيرُ إلى أنَّ حُلمَه لم يكن مجردَ خيالٍ عابرٍ.
مع مرورِ الأيَّامِ، كبرَ يُوسُفُ وكبرتْ معه أحلامُه. لم يكن الطَّريقُ سهلًا، فقد عاشَ في بيئةٍ تفتقرُ إلى المواردِ والفُرصِ. لكنَّ ذلك لم يمنعْهُ من الاجتهادِ في دراستِه. كان يقرأُ كلَّ ما يقعُ بين يديْهِ عن الفضاءِ والكواكبِ، ويخطِّطُ لحياتِه كما لو كان يسيرُ نحو هدفٍ محدَّدٍ. تحمَّل لحظاتِ الفشلِ والإحباطِ بابتسامةٍ، مؤمنًا أنَّ لكلِّ تحدٍّ حلًّا، ولكلِّ حلمٍ طريقًا.
ذات يومٍ، جاءت الفرصةُ التي غيَّرت حياتَه. حصل يُوسُفُ على منحةٍ دراسيَّةٍ لدراسةِ علومِ الفضاءِ في واحدةٍ من أرقى الجامعاتِ العالميَّةِ. لم يكن مُغادرةُ مدينتِه الصَّغيرةِ أمرًا سهلًا عليه، لكنَّه كان يعلمُ أنَّ الخطوةَ الأولى لتحقيقِ حُلمِه تبدأُ بتركِ مكانِه الآمنِ والانطلاقِ نحو المجهولِ. عندما وصلَ إلى الجامعةِ، برزَ بين زُملائِه بتفوُّقِه وإبداعِه. كان يستيقظُ مُبكِّرًا ويعملُ بجديَّةٍ على الأبحاثِ والمشاريعِ المُتعلِّقةِ بالفضاءِ، مما جعلهُ مَحطَّ إعجابِ أساتذتِه وزُملائِه.
بمرورِ الوقتِ، بدأ يُوسُفُ يُحقِّقُ إنجازاتٍ ملموسةً. شاركَ في أبحاثٍ مُتقدِّمةٍ وحصل على جوائزَ تقديريَّةٍ عدَّةٍ، حتى وصلَ إلى لحظةٍ فارقةٍ في حياتِه: تمَّ اختيارُهُ ضمن فريقٍ لاستكشافِ محطةٍ فضائيَّةٍ دوليَّةٍ. كانت هذه الفُرصةُ بمثابةِ تتويجٍ لسنواتٍ من الكفاحِ والعملِ الجادِّ.
في صباحِ يومِ المُغادرةِ، وقفَ يُوسُفُ في ردهةِ المطارِ، يتأمَّلُ الطائرةَ التي ستأخذُهُ إلى محطةِ إطلاقِ المركبةِ الفضائيَّةِ. كان قلبُهُ يخفقُ بقوةٍ، مشحونًا بمزيجٍ من الحماسِ والخوفِ. تذكَّرَ سنواتِ طفولتِه، اللحظاتِ التي شعرَ فيها بالشُّكوكِ، والتحدياتِ التي واجهَها ليصلَ إلى هذه المرحلةِ. صُور وجهِ أُمِّه وهي تُشجِّعُهُ على المُضيِّ قُدُمًا، وكلماتِ أصدقائِه وأساتذتِه التي حملتْهُ عندما كادَ يسقطُ، كُلُّها تلاحقتْ في ذاكرتِه كفيلمٍ سريعٍ.
بعد أسابيعَ من التَّدريبِ المُكثَّفِ والاختباراتِ القاسيةِ، جاء اليومُ المُنتظَرُ. كان يومُ الإطلاقِ يومًا مهيبًا، رفرفتْ الأعلامُ واصطفتِ الجماهيرُ لمشاهدةِ اللحظةِ التاريخيَّةِ. صعدَ يُوسُفُ إلى المركبةِ، وقلبُهُ مليءٌ بالفخرِ والخوفِ، وفي عقلِه كانت تترددُ عبارةٌ واحدةٌ: "هذا حُلمُ طفولتِي يتحقَّقُ."
عندما انطلقتِ المركبةُ وتركَ يُوسُفُ الأرضَ لأوَّلِ مرةٍ، شعرَ بشعورٍ لا يُمكنُ وصفُه. كان كلُّ شيءٍ حولَهُ مُختلفًا، شعورُ انعدامِ الجاذبيَّةِ، الهدوءُ الذي يلفُّ الفضاءَ، ورؤيةُ الأرضِ وهي تطفو ككرةٍ زرقاءَ في الظلامِ الشاسعِ. تلك اللحظةُ كانت تتويجًا لكلِّ ما مرَّ به من صعوباتٍ، ولكلِّ ما بذلَهُ من جهدٍ.
بينما كان يُحدِّقُ في جمالِ الأرضِ من نافذةِ المركبةِ، أحسَّ يُوسُفُ بمسؤوليَّةٍ كبيرةٍ. أدركَ أنَّ عليه أن ينقلَ هذه التَّجربةَ للأطفالِ في مدينتِه الصَّغيرةِ، ليخبرَهم أنَّ الأحلامَ ليست حكرًا على أحدٍ، وأنَّ الصبرَ والإصرارَ يُمكنُهما تحقيقُ المُستحيلِ. كان يعلمُ أنَّ رحلتَه لم تنتهِ بعدُ، بل بدأت للتوِّ. كان مُستعدًّا للعودةِ إلى الأرضِ، ليُشاركَ العالمَ قصَّتَه، ويكونَ مصدرَ إلهامٍ لكلِّ من يجرؤُ على الحُلمِ.