درس الأسد في القيادة والتعاون
كَانَ
هُنَاكَ أَسَدٌ عَظِيمٌ يَعِيشُ فِي أَعْمَاقِ غَابَةٍ وَاسِعَةٍ مُتَرَامِيَةِ
ٱلْأَطْرَافِ، وَكَانَتْ شُهْرَتُهُ تَمْلَأُ ٱلْمَكَانَ بِأَسْرِهِ كَمَلِكٍ لَا
يُضَاهَى بِسَبَبِ قُوَّتِهِ ٱلْهَائِلَةِ وَسُلْطَتِهِ ٱلْمُطْلَقَةِ عَلَى
جَمِيعِ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلْأُخْرَى. عَلَى ٱلرَّغْمِ مِنْ هَيْبَتِهِ
وَسَيْطَرَتِهِ، كَانَ هَذَا ٱلْأَسَدُ يَمِيلُ إِلَى ٱلْعُزْلَةِ، مُبْتَعِدًا
عَنْ بَقِيَّةِ سُكَّانِ ٱلْغَابَةِ، يَنْظُرُ إِلَى ٱلْأُمُورِ مِنْ عَلٍ
وَكَأَنَّهُ فِي بُرْجٍ عَاجِيٍّ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ. كَانَ يَشْعُرُ
أَنَّهُ فَوْقَ ٱلْمَشَاكِلِ ٱلصَّغِيرَةِ وَٱلِاضْطِرَابَاتِ ٱلْيَوْمِيَّةِ
ٱلَّتِي تَشْغَلُ ٱلْآخَرِينَ.
قَالَ
ٱلْأَرْنَبُ بِصَوْتٍ عَالٍ، وَلَكِنَّهُ مَلِيءٌ بِٱلِاحْتِرَامِ: "يَا
سَيِّدَ ٱلْغَابَةِ ٱلْعَظِيمِ، لَدَيَّ طَلَبٌ بَسِيطٌ أَتَمَنَّى أَنْ
تَسْمَعَهُ." رَفَعَ ٱلْأَسَدُ رَأْسَهُ بِبُطْءٍ وَنَظَرَ إِلَى ٱلْأَرْنَبِ
بِعَيْنَيْنِ حَادَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ بِصَوْتٍ عَمِيقٍ: "وَمَا هُوَ
طَلَبُكَ أَيُّهَا ٱلْكَائِنُ ٱلصَّغِيرُ؟"
ٱبْتَسَمَ
ٱلْأَرْنَبُ بِخِفَّةٍ وَأَجَابَ بِثِقَةٍ مُفَاجِئَةٍ: "يَا مَوْلَايَ،
أَنْتُمْ ٱلْحُكَمَاءُ فِي هَذِهِ ٱلْغَابَةِ وَصَاحِبُ ٱلْقَرَارِ ٱلسَّامِي
فِيهَا. وَلَكِنَّنِي جِئْتُ إِلَيْكُمْ بِفِكْرَةٍ قَدْ تَكُونُ بَدَايَةً
لِتَغْيِيرٍ كَبِيرٍ يَنْفَعُنَا جَمِيعًا." أَثَارَتْ كَلِمَاتُ ٱلْأَرْنَبِ
فُضُولَ ٱلْأَسَدِ، ٱلَّذِي قَرَّرَ أَنْ يُمْنَحَهُ ٱلْفُرْصَةَ لِإِكْمَالِ
حَدِيثِهِ.
تَابَعَ
ٱلْأَرْنَبُ قَائِلًا: "لَقَدْ أَصْبَحَتِ ٱلْغَابَةُ تُوَاجِهُ ٱلْكَثِيرَ
مِنَ ٱلتَّحَدِّيَاتِ؛ ٱلطَّعَامُ أَصْبَحَ نَادِرًا، وَٱلْمَشَاكِلُ بَيْنَ
ٱلْحَيَوَانَاتِ تَتَزَايَدُ، وَبِيئَتُنَا ٱلْجَمِيلَةُ تَتَدَهْوَرُ. إِنْ لَمْ
نَتَّحِدْ وَنَتَعَاوَنُ جَمِيعًا، فَقَدْ نَفْقِدُ هَذَا ٱلْمَكَانَ ٱلَّذِي
نَعِيشُ فِيهِ." كَانَتْ كَلِمَاتُ ٱلْأَرْنَبِ مَفْعَمَةً بِٱلْإِخْلَاصِ
وَٱلْجُرْأَةِ، مِمَّا دَفَعَ ٱلْأَسَدَ لِلتَّفْكِيرِ بِعُمْقٍ فِيمَا يَسْمَعُهُ.
بَدَأَ
ٱلْأَسَدُ يَشْعُرُ بِثِقَلِ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلَّتِي نَطَقَ بِهَا ٱلْأَرْنَبُ،
وَبَدَأَ يَتَسَاءَلُ فِي دَاخِلِهِ عَنْ ٱلْحِكْمَةِ فِي بَقَائِهِ مُنْعَزِلًا
بَعِيدًا عَنْ بَقِيَّةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ. وَبَعْدَ لَحْظَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ
ٱلصَّمْتِ، قَالَ ٱلْأَسَدُ: "لَقَدْ أَدْهَشَنِي كَلَامُكَ يَا أَرْنَبُ،
وَيَبْدُو أَنَّ لَدَيْكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ مَا يَجْعَلُنِي أُعِيدُ ٱلنَّظَرَ فِي
أُسْلُوبِي."
وَهَكَذَا،
قَرَّرَ ٱلْأَسَدُ أَنْ يَبْدَأَ مُبَادَرَةً لِلتَّوَاصُلِ مَعَ بَقِيَّةِ
ٱلْحَيَوَانَاتِ فِي ٱلْغَابَةِ. جَمَعَهُمْ فِي ٱجْتِمَاعٍ كَبِيرٍ تَحْتَ
شَجَرَةِ ٱلْحَيَاةِ، تِلْكَ ٱلشَّجَرَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ رَمْزًا لِلسَّلَامِ
وَٱلتَّعَاوُنِ فِي ٱلْغَابَةِ. هُنَاكَ، طَرَحَ ٱلْأَسَدُ فِكْرَةَ ٱلتَّعَاوُنِ
وَٱلْعَمَلِ ٱلْمُشْتَرَكِ لِحِمَايَةِ ٱلْغَابَةِ مِنَ ٱلْمَخَاطِرِ ٱلَّتِي
تُهَدِّدُهَا.
بَدَأَتِ
ٱلْحَيَوَانَاتُ تَعْمَلُ مَعًا بِرُوحِ ٱلْفَرِيقِ ٱلْوَاحِدِ، كُلٌّ مِنْهَا
يُقَدِّمُ جُهْدَهُ لِحَلِّ ٱلْمَشَاكِلِ ٱلَّتِي تُوَاجِهُهُمْ. ٱلطُّيُورُ
كَانَتْ تُرَاقِبُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، وَٱلْغِزْلَانُ كَانَتْ تَبْحَثُ عَنْ
مَوَارِدَ جَدِيدَةٍ، وَٱلْفِيَلَةُ كَانَتْ تُسَاعِدُ فِي حَمْلِ ٱلْأَشْيَاءِ
ٱلثَّقِيلَةِ، حَتَّى ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلصَّغِيرَةِ كَٱلنَّمْلِ وَٱلْيَرَقَاتِ
سَاهَمَتْ بِطُرُقِهَا ٱلْخَاصَّةِ.
مَعَ
مُرُورِ ٱلْوَقْتِ، تَحَوَّلَتِ ٱلْغَابَةُ إِلَى مَكَانٍ يَعُمُّهُ ٱلنَّشَاطُ
وَٱلْحَيَوِيَّةُ، وَعَادَتِ ٱلْمِيَاهُ تَجْرِي فِي ٱلْأَنْهَارِ، وَعَادَتِ
ٱلْأَشْجَارُ تَنْمُو بِشَكْلٍ أَفْضَلَ، وَٱزْدَهَرَتِ ٱلْحَيَاةُ ٱلْبَرِّيَّةُ
فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا. وَلَكِنَّ ٱلْأَهَمَّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ ٱ