الببغاء كوكو وحارس أسرار الغابة
في
إِحْدَى الغَابَاتِ البِكْرِ، حَيْثُ تَمْتَدُّ الأَشْجَارُ العَالِيَةُ
وَتَتَرَاقَصُ الأَزْهَارُ المُلَوَّنَةُ عَلَى أَلْحَانِ الرِّيَاحِ
اللَّطِيفَةِ، عَاشَ بَبْغَاءٌ مُزَرَّكشٌ يُدْعى "كُوكُو". كَانَ
كُوكُو فَرِيدًا بَيْنَ أَقْرَانِهِ بِسَبَبِ رِيشِهِ البَرَّاقِ الَّذِي يَجْمَعُ
كُلَّ أَلْوَانِ قَوْسِ قُزَحِ.
لَمْ
يَكُنْ كُوكُو مُجَرَّدَ بَبْغَاءٍ جَمِيلٍ، بَلْ كَانَ يَتَمَتَّعُ بِذَكاءِ
اِسْتِثْنَائِيٍّ وَقُدْرَةٍ عَلَى تَقْلِيدِ الأَصْوَاتِ بِدِقَّةٍ خَارِقَةٍ.
كَانَ كُوكُو مُغَامِرًا بِطَبِيعَتِهِ، يُحِبُّ اِسْتِكْشَافَ كُلِّ زَاوِيَةٍ
وَكُلِّ شَجَرَةٍ فِي الغَابَةِ.
وَذَاتَ يَوْمٍ، بَيْنَمَا كَانَ يُحَلِّقُ عَالِيًا بَيْنَ الفُرُوعِ، سَمِعَ صَوْتًا غَرِيبًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ قَبْلِ. وَكَانَ الصَّوْتُ يَصْدُرُ مِنْ جِهَةِ وَادِي الظِّلَالِ، وَهُوَ مَكَانٌ يُشْتَهَرُ بِسِحْرِهِ الغَامِضِ وَأَسْرَارِهِ المَخْبَأَةِ.
لَمْ
يَتَرَدَّدْ كُوكُو فِي التَّوَجُّهِ نَحْوَ وَادِي الظِّلَالِ. وَبَيْنَمَا
يَخْتَرِقُ الضَّبَابَ الكَثِيفَ، لَمَحَ فِي الأُفُقِ بُرَيْقًا غَيْرَ عَادِيٍّ.
اِقْتَرَبَ بِحَذَرٍ لِيَجِدَ أَنَّ البُرَيْقَ يَنْبَعُ مِنْ بُحَيْرَةٍ
صَغِيرَةٍ تَمَكَّنَتِ الطَّبِيعَةُ مِنْ إِخْفَائِهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ.
كَانَ البُرَيْقُ نَابِعًا مِنْ أَحْجَارٍ كَرِيمَةٍ نَادِرَةٍ تُزَيِّنُ قَاعَ البُحَيْرَةِ. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، سَمِعَ كُوكُو صَوْتًا رَقِيقًا يَقُولُ: "أَهْلًا بِكَ يَا كُوكُو، لَقَدْ كُنْتُ أَنْتَظِرُكَ". كَانَتِ الفَرَاشَةُ الأُسْطُورِيَّةُ "أَلْمَا" الَّتِي قِيلَ إِنَّهَا تَحْتَفِظُ بِالْكُنُوزِ الْخَفِيَّةِ فِي الغَابَةِ.
رَحَّبَ
بِهَا كُوكُو بِأَدَبٍ وَأَعْرَبَ عَنْ رَغَبَتِهِ فِي مَعْرِفَةِ المَزِيدِ عَنْ
قِصَّةِ البُحَيْرَةِ وَالأَحْجَارِ. أَخْبَرَتْهُ أَلْمَا أَنَّ الأَحْجَارَ هِيَ
جُزْءٌ مِنْ قَلْبِ الطَّبِيعَةِ الَّذِي يُجَدِّدُ طَاقَةَ الغَابَةِ وَسِحْرَهَا.
وَقَالَتْ إِنَّ الحِفَاظَ عَلَى هَذَا المَكَانِ سِرًّا هُوَ وَاجِبُهُمَا المَشْتَرَكُ مِنْ أَجْلِ حِمَايَةِ التَّوَازُنِ الطَّبِيعِيِّ. أَدْرَكَ كُوكُو قِيمَةَ السِّرِّ الَّذِي اكْتَشَفَهُ وَوَعَدَ أَلْمَا بِالْحِفَاظِ عَلَيْهِ وَحِمَايَتِهِ.
وَمُنْذُ
تِلْكَ اللَّحْظَةِ، أَصْبَحَ كُوكُو يَزُورُ البُحَيْرَةَ بِشَكْلٍ مُنْتَظِمٍ
لِلتَّأَكُّدِ مِنْ سَلاَمَتِهَا، وَمَعَ كُلِّ زِيَارَةٍ كَانَ يَعُودُ إِلَى
الغَابَةِ بِرُوحٍ مُتَجَدِّدَةٍ وَأَلْوَانِ رِيشِهِ تَبْدُو أَكْثَرَ بَرَّاقًا
وَجَمَالًا.
كَانَ
الجَمِيعُ فِي الغَابَةِ يَنظُرُونَ إِلَى كُوكُو بِإِعْجَابٍ، لَيْسَ فَقَطْ
لِأَنَّهُ الأَجْمَلُ بَيْنَنَا، بَلْ لِأَنَّهُ أَصْبَحَ حَارِسًا أَمِينًا
لِأَسْرَارِهَا، وَاسْتَطَاعَ بِذَكَائِهِ الحِفَاظَ عَلَى تَوَازُنِهَا
وَسِحْرِهَا.
وَهَكَذَا
أَصْبَحَ كُوكُو رَمْزًا لِلشَّجَاعَةِ وَالأَمَانَةِ فِي عَالَمِ الطَّبِيعَةِ
الرَّائِعِ.