لينا ونظارات الأمل

 لينا ونظارات الأمل

لينا ونظارات الأمل


في إحدى القرى الصغيرة الهادئة التي تُحيط بها الحقول الخضراء وتنسابُ فيها الجداول العذبة، عاشت فتاة صغيرة تُدعى لينا مع والدها أحمد. كان أحمد مزارعًا ماهرًا في مزارع القرية المجاورة، معروفًا بروحه الطيبة وابتسامته التي تُدخل السرور على قلوب الجميع، بينما كانت لينا تتميز بموهبتها الفريدة في الرسم وحبها الشديد للطبيعة. كانت تعشق الجلوس بين أحضان الطبيعة، حيث تستوحي من جمالها ما تُبدعه أناملها الصغيرة.

اعتاد أحمد أن يقضي وقتًا طويلًا مع ابنته، حيث كان يأخذها معه إلى المزرعة كلما سنحت له الفرصة. في كل صباح مشرق، كانا يسيران معًا عبر الطرق الريفية المحاطة بالأشجار والمروج، يتحدثان عن الأحلام والأماني، ويتشاركان الضحكات والقصص. وبينما كان أحمد ينهمك في العمل في الحقول، كانت لينا تجلس تحت ظلال شجرة كبيرة وارفة، ترسم كل ما يحيط بها من نباتات وزهور، مغمورة بسعادة لا تُوصف.



ذات صباح، بينما كانت لينا منهمكة في رسم منظر طبيعي مليء بالألوان الزاهية، بدأت تشعر بشيء غريب. شعرت بالإرهاق، وبدأت ترى الألوان وكأنها باهتة. حاولت التركيز على الرسم، لكنها لم تستطع رؤية التفاصيل بوضوح كما اعتادت. امتلأت عيناها بالقلق، وقررت أن تُخبر والدها بما يحدث. هرعت إليه قائلة: "أبي، لا أستطيع رؤية الألوان كما كنت أفعل من قبل. الأمر يُخيفني."

نظر أحمد إلى ابنته بعطف وحنان، واحتضنها قائلاً: "لا تقلقي يا لينا، سنعرف ما الذي يجري. سآخذك إلى طبيب العيون اليوم لنتأكد من كل شيء." لم تتردد لينا لحظة في الثقة بكلمات والدها، فقد كانت تعلم أنه دائمًا بجانبها في كل ما تواجهه.



وفعلًا، أخذ أحمد ابنته إلى طبيب العيون في البلدة المجاورة. جلس الطبيب مع لينا، وأجرى لها بعض الفحوصات. بعد فترة من التدقيق، ابتسم الطبيب قائلاً: "لينا بحاجة إلى نظارات لتحسين رؤيتها. لا شيء يدعو للقلق." ارتاحت لينا لسماع هذه الكلمات، لكنها شعرت ببعض التردد تجاه ارتداء النظارات. لاحظ والدها هذا القلق في عينيها وقال لها مشجعًا: "النظارات ستجعلك ترين العالم بألوانه الحقيقية، وستصبحين أكثر إبداعًا في الرسم. كوني واثقة، يا صغيرتي."



في طريق عودتهما إلى المنزل، كانت لينا تحمل نظاراتها الجديدة بين يديها بحذر وكأنها كنز ثمين. عندما وصلت إلى المنزل، ارتدت النظارات لأول مرة، ووقفت أمام المرآة لترى كيف تبدو. ثم نظرت حولها، وكانت المفاجأة كبيرة. شعرت وكأن العالم قد اكتسى بألوان أكثر وضوحًا وجمالًا. استطاعت أن ترى أدق التفاصيل في الأشياء التي كانت تبدو ضبابية من قبل. ابتسمت بفرح، وقالت لوالدها: "أبي، لم أكن أعلم أن العالم بهذا الجمال! أرى كل شيء بوضوح الآن!"



عادت لينا إلى مرسمها الصغير في المزرعة، وجلست تحت الشجرة التي طالما أحبتها. أمسكت بفرشاتها وألوانها، وبدأت ترسم الزهور والنباتات من حولها. هذه المرة، كانت التفاصيل أكثر دقة، والألوان أكثر إشراقًا. شعرت بسعادة غامرة وهي تكتشف كم كانت الطبيعة مليئة بالتفاصيل التي لم تلاحظها من قبل. لم تتوقف عن الرسم حتى غروب الشمس، وعندما انتهت من لوحتها، هرعت إلى والدها لتُريه ما أبدعته.

نظر أحمد إلى اللوحة بإعجاب، وقال لها: "لقد كنت دائمًا موهوبة يا لينا، لكن الآن أصبح لديك عالم جديد تكتشفينه. أنا فخور بك جدًا." شعرت لينا بامتنان عميق تجاه والدها، الذي لم يتردد يومًا في الوقوف بجانبها ودعمها.



منذ ذلك اليوم، أصبحت لينا لا تفوِّت فرصة للتعبير عن حبها وامتنانها لوالدها. كانت ترسم لوحات جديدة كل يوم، تهدي بعضها لوالدها وتُزين بها المنزل. أصبحت ترى العالم بعين جديدة، مليئة بالتفاؤل والشغف. أدركت لينا أن دعم والدها كان أكبر كنز حصلت عليه في حياتها، وأنه كان السبب في قدرتها على استعادة شغفها بالرسم.

كبرت لينا، واستمرت في تطوير موهبتها، لكنها لم تنسَ أبدًا فضل والدها أحمد ودعمه. وبفضل حبها للفن، أصبحت تُلهم الآخرين من خلال لوحاتها التي تحمل جمال الطبيعة وروح الامتنان لكل لحظة عاشتها مع والدها.

 

أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات