ليلى والمبنى المسكون
فِي لَيْلَةٍ عَاصِفَةٍ وَظَلَامٍ دَامِسٍ، كَانَتِ ٱلطِّفْلَةُ لَيْلَىٰ تَجْلِسُ لِوَحْدِهَا فِي زَاوِيَةِ غُرْفَتِهَا ٱلضَّيِّقَةِ، حَيْثُ ٱلظِّلَالُ تَلْعَبُ مَشَاهِدَ مُرْعِبَةً عَلَىٰ جُدْرَانِهَا. كَانَتْ أَصْوَاتُ ٱلرِّيَاحِ تُعَزِّفُ لَحْنَ ٱلْخَوْفِ فِي أُذُنَيْهَا، بَيْنَمَا كَانَ ٱلرَّعْدُ يَتَصَاعَدُ فِي سَمَاءِ ٱللَّيْلِ كَٱلْهَدِيرِ.
لَقَدْ سَمِعَتْ قِصَّةً قَدِيمَةً عَنْ مَبْنًى مَهْجُورٍ يَقَعُ عِنْدَ أَطْرَافِ ٱلْمَدِينَةِ، يُقَالُ إِنَّهُ مَسْكُونٌ بِٱلْأَرْوَاحِ ٱلْمَنْحُوسَةِ ٱلَّتِي لَا تَجِدُ سَلَامَهَا ٱلْأَبَدِيَّ. مَعَ إِطْلَالِ ٱلْفَجْرِ، قَرَّرَتْ لَيْلَىٰ وَمَجْمُوعَةٌ مِنْ أَصْدِقَائِهَا ٱسْتِكْشَافَ ٱلْمَكَانِ.
تَوَجَّهُوا جَمِيعًا نَحْوَ ذَاكَ ٱلْمَبْنَىٰ ٱلْمَهْجُورِ، قُلُوبُهُمْ تَخْفِقُ بِشِدَّةٍ، وَلَكِنَّ حُبَّ ٱلِاسْتِطْلَاعِ كَانَ أَقْوَىٰ مِنَ ٱلْخَوْفِ. عِنْدَ وُصُولِهِمْ، لَاحَظُوا أَنَّ ٱلْأَبْوَابَ كَانَتْ مَفْتُوحَةً بِشَكْلٍ غَرِيبٍ، وَكَأَنَّ ٱلْمَكَانَ كَانَ يَنْتَظِرُ قُدُومَهُمْ.
دَخَلُوا جَمِيعًا، كَانَتِ ٱلْقَاعَةُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ مُغَطَّاةً بِٱلْغُبَارِ، وَٱلْأَثَاثُ مُهْتَرِئًا وَكَأَنَّ ٱلزَّمَنَ قَدْ نَسِيَهُ. بَدَأَتِ ٱلْمَجْمُوعَةُ بِٱلتَّجْوَالِ دَاخِلَ ٱلْغُرَفِ، وَكَانَتِ ٱلْأَصْوَاتُ ٱلْخَافِتَةُ تَتَرَدَّدُ كَٱلصَّدَىٰ، وَكَأَنَّ ٱلْمَبْنَىٰ يُهَمْهِمُ بِقَصَصِهِ وَآلَامِهِ.
وَلَكِنَّ شَيْئًا مَا غَيْرُ طَبِيعِيٍّ حَدَثَ. بَدَأَ أَحَدُ ٱلْأَصْدِقَاءِ بِٱلصُّرَاخِ فَجْأَةً، وَهُوَ يُشِيرُ إِلَىٰ ٱلْمِرْآةِ ٱلْكَبِيرَةِ دَاخِلَ إِحْدَىٰ ٱلْغُرَفِ. "لَقَدْ رَأَيْتُ شَيْئًا!" قَالَ بِصَوْتٍ مُرْتَجِفٍ، وَجْهُهُ شَاحِبٌ كَٱلشَّبَحِ.
ٱقْتَرَبَ ٱلْجَمِيعُ بِبُطْءٍ مِنَ ٱلْمِرْآةِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَعْكِسُ ظِلَالَهُمْ فَقَطْ. رَأَتْ لَيْلَىٰ ٱنْعِكَاسَهَا يَبْتَسِمُ بِطَرِيقَةٍ غَرِيبَةٍ. لَحْظَةُ ٱلرُّعْبِ تَحَوَّلَتْ إِلَىٰ كَارِثَةٍ عِنْدَمَا ٱنْطَفَأَتِ ٱلْمَصَابِيحُ فَجْأَةً، وَٱشْتَدَّتِ ٱلْأَصْوَاتُ ٱلْمُؤْلِمَةُ بِشَكْلٍ مُخِيفٍ.
بَدَأَ ٱلْجَمِيعُ فِي ٱلرَّكْضِ بَحْثًا عَنْ مَخْرَجٍ، وَلَكِنَّ ٱلْأَبْوَابَ ٱلَّتِي كَانَتْ مَفْتُوحَةً أَصْبَحَتْ مُغْلَقَةً بِإِحْكَامٍ. حَاوَلَتْ لَيْلَىٰ فَتْحَ ٱلْبَابِ مَرَّةً أُخْرَىٰ، وَلَكِنْ شَعَرَتْ بِيَدٍ بَارِدَةٍ تُمْسِكُ بِمِعْصَمِهَا.
عِنْدَمَا ٱلْتَفَتَتْ، رَأَتْ شَبَحًا بِوَجْهٍ مُشَوَّهٍ وَعَيْنَيْنِ تَلْمَعَانِ فِي ٱلظَّلَامِ. ٱنْفَلَتَتْ مِنْ قَبْضَتِهِ بِصُعُوبَةٍ وَهَرَبَتْ بِأَقْصَىٰ سُرْعَةٍ، تَمَكَّنَتْ أَخِيرًا مِنْ ٱلْعُثُورِ عَلَىٰ مَخْرَجٍ صَغِيرٍ.
عِنْدَ خُرُوجِهَا، ٱسْتَنْفَدَتْ لَيْلَىٰ كُلَّ قُوَّتِهَا، وَلَكِنْ خَلْفَهَا كَانَ ٱلْمَبْنَىٰ قَائِمًا بِلَا حَرَاكٍ. بَعْضُ أَصْدِقَائِهَا لَمْ يَخْرُجُوا أَبَدًا، ٱبْتَلَعَتْهُمُ ٱلظِّلَالُ ٱلْقَاتِمَةُ لِلْمَبْنَىٰ.
عَادَتْ لَيْلَىٰ إِلَىٰ ٱلْمَنْزِلِ، وَلَكِنَّ شَيْئًا مِنَ ٱلرُّعْبِ لَمْ يُغَادِرْهَا. كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ٱلْأَرْوَاحَ ٱلْغَاضِبَةَ لَا تَرْحَمُ، وَأَنَّ هُنَاكَ أَسْرَارًا لَا يَجِبُ ٱسْتِكْشَافُهَا.
كَانَتْ تِلْكَ ٱللَّيْلَةُ هِيَ ٱلْمَرَّةَ ٱلْأُولَىٰ وَٱلْأَخِيرَةَ ٱلَّتِي تُوَاجِهُ فِيهَا مَكَانًا مَسْكُونًا، وَلَكِنَّ آثَارَهَا بَقِيَتْ تُلَاحِقُهَا فِي كُلِّ خُطُوَاتِهَا. وَكَأَنَّ ٱلْأَرْوَاحَ جَعَلَتْهَا جُزْءًا مِنْ عَالَمِهَا ٱلْأَبَدِيِّ ٱلْمُظْلِمِ.