جحا والبئر

جحا والبئر

جحا والبئر


المشهد الأول:

في يوم مشرق، كان جحا يقف أمام منزله يعرضه للبيع لرجل بدا متحمسًا ولكنه حذر، وبعد أن تفقد المشتري البيت وأُعجب به، قال مبتسمًا: "ما شاء الله! منزلك جميل، وحديقته رائعة، وحتى أن به بئرًا! أظن أن السعر الذي طلبته مناسب جدًا"، فرد جحا بابتسامة ماكرة: "الحمد لله، لكن هناك شرط بسيط قبل إتمام البيع"، فتغيرت ملامح المشتري وسأله بقلق: "شرط؟ وما هو؟"، فأشار جحا إلى البئر قائلاً بثقة: "هذا البئر عزيز عليّ، لا أستطيع بيعه، لذا يمكنك شراء المنزل كله، لكن البئر سيظل ملكي!"، تعجب المشتري ونظر إلى البئر قائلاً باستغراب: "لكن كيف ذلك؟ البئر جزء من المنزل!"، فضحك جحا قائلاً: "هذا صحيح، لكنه منفصل، يمكنك الاستمتاع بالبيت، لكن البئر يبقى لي، وسأزوره متى شئت"، فوقف المشتري مفكرًا وهو يمسح ذقنه ثم قال: "حسنًا، بما أن السعر مناسب، فلا بأس، سأقبل بالشرط"، وهكذا تصافحا وأتمّا الصفقة، بينما كان جحا يبتسم في داخله مدركًا أن هذه الحيلة ستمنحه فرصة أخرى للاستفادة قريبًا!


المشهد الثاني:

بعد أيام قليلة من بيع المنزل، بدأ المشتري يستقر فيه ويستمتع بأجوائه، لكنه سرعان ما فوجئ بجحا يطرق الباب في الصباح الباكر، وحين فتح له وجده يحمل دلوًا فارغًا ويبتسم قائلاً: "جئت لزيارة بئري العزيز"، فحاول المشتري تجاهل الأمر، لكنه ازداد انزعاجًا عندما عاد جحا في المساء وجلس بجوار البئر يتأمل الماء وكأنه في منزله، وفي اليوم التالي عاد مرة أخرى، ولم يكتفِ بذلك، بل بدأ يملأ الدلو ويسكب قليلًا من الماء في الفناء، مما جعل المشتري يفقد صبره ويسأله بغضب: "ماذا تفعل يا جحا؟!"، فرد جحا ببراءة مصطنعة: "أنا أزور بئري وأتفقده، فهذا حقي الكامل، فأنا لم أبع لك البئر"، حاول المشتري ضبط أعصابه، لكنه شعر بالإحباط كلما رأى جحا يأتي يومًا بعد يوم، يجلس، ويملأ الماء، وأحيانًا يلمس سطحه بحنان وكأنه يتحدث إليه، حتى صار وجوده مزعجًا إلى درجة لا تُطاق، فبدأ يفكر في طريقة للتخلص منه نهائيًا!


المشهد الثالث:

مع تكرار زيارات جحا اليومية للبئر، لم يعد المشتري قادرًا على تحمل الأمر أكثر، فقرر مواجهته مباشرة، وفي أحد الأيام، ما إن رأى جحا يدخل الفناء كعادته حاملاً دلوه، حتى وقف في وجهه غاضبًا وقال بصوت حاد: "كفى يا جحا! لقد اشتريتُ المنزل بكامله، فلماذا لا تزال تأتي إلى هنا كل يوم وكأنك تعيش معي؟!"، فابتسم جحا بهدوء، رافعًا حاجبيه بدهاء، وقال: "ولكني لم أبع لك البئر يا صاحبي، إنه ملكي، ولي الحق في زيارته متى أردت"، ازدادت ملامح المشتري حدة، وهو يشير بيده بانفعال: "ولكنك تزعجني بوجودك الدائم هنا، تجلس بجانب البئر، تملأ الماء، وتسكبه في الفناء! هذا غير منطقي!"، فرد جحا متصنعًا البراءة: "وهل تمنعني من الاستمتاع بشيء أملكه؟ أنت اشتريت المنزل، أما البئر فلا يزال لي، وأين المشكلة في أن أجلس بجواره؟"، شعر المشتري بالعجز أمام منطق جحا الغريب، فأخذ نفسًا عميقًا وهو يحاول كتم غضبه، ثم قرر أنه لا بد من إيجاد حل سريع لإنهاء هذا الموقف المزعج بأي طريقة!


المشهد الرابع:

بعد أن أدرك المشتري أنه لن يستطيع منع جحا من زيارة البئر بحجته القوية، جلس في منزله يفكر بعمق في حل يُخلصه من هذه المعضلة المزعجة، وبينما كان يتأمل البئر من نافذته، خطرت له فكرة ماكرة قد تقلب الطاولة على جحا، فابتسم بدهاء ونهض متجهًا إلى الفناء، حيث وجد جحا جالسًا بجوار البئر كعادته، فتقدم نحوه بخطوات واثقة وقال ساخرًا: "يا جحا، بما أن البئر ملكك، فهلا تكرمت وأخذت ماءه معك؟ لأن الماء الآن داخل ممتلكاتي، وأنا لا أريده هنا"، رفع جحا حاجبيه بدهشة للحظات، ثم ابتسم وهو يدرك نية المشتري في الإيقاع به، لكنه لم يُظهر أي انزعاج، بل نظر إليه بثقة وقال مبتسمًا: "آه، فهمت الآن! أنت لا تريد الماء في بيتك، أليس كذلك؟"، فرد المشتري بسرعة وهو يظن أنه حشر جحا في زاوية ضيقة: "بالضبط! لا أريد ماءك في بيتي، فإما أن تأخذه معك، أو تجد حلاً آخر!"، وهنا، أطلق جحا ضحكة خفيفة، فقد أدرك أن الوقت قد حان لاستكمال لعبته، وبنبرة واثقة قال: "حسنًا، إن كنت لا تريد ماء بئري في بيتك، فلا حل لديك سوى شراء البئر بالكامل!"، عندها، تغيرت ملامح المشتري فجأة، فقد وجد نفسه في موقف أصعب مما كان يتوقع!


المشهد الخامس:

وقف المشتري مصدومًا من رد جحا، وأخذ يفكر في المأزق الذي وقع فيه، فالبئر ملك لجحا، والماء لا يمكن فصله عنه، وإذا أراد التخلص من هذا الإزعاج المستمر، فلا مفر من شراء البئر أيضًا، فتنهد بعمق ونظر إلى جحا الذي كان يقف أمامه مبتسمًا بثقة وكأنه يعلم مسبقًا أنه سينتصر في النهاية، ثم قال المشتري بعد تردد: "وكم تريد مقابل البئر؟"، فاقترب جحا وربّت على كتف الرجل قائلاً: "آه، البئر أغلى من البيت، لأنه ليس مجرد بئر، بل هو ممتلئ بالماء، وستحصل معه على مخزون دائم دون الحاجة إلى البحث عن مصدر آخر!"، تفاجأ المشتري من هذه الحيلة الجديدة، لكنه لم يجد مفرًا، فوافق على دفع ثمن البئر مضطرًا، وعندها أتم جحا الصفقة، وغادر المنزل سعيدًا بعدما نجح في بيع البيت مرتين، الأولى بثمن مناسب، والثانية بثمن أغلى، ليخرج منتصرًا بحيلته الذكية، بينما كان المشتري يقف في مكانه يراقبه وهو يبتعد، متعجبًا من دهاء هذا الرجل الذي استطاع أن يجعله يدفع أكثر مما خطط له!


العبرة من القصة:

🔹 الذكاء وحسن التصرف يمكن أن يحولا أي موقف لصالحك – جحا لم يكن يملك سوى حيلة بسيطة، لكنه استغلها بذكاء ليحقق مكسبًا مضاعفًا.
🔹 التفكير المنطقي أحيانًا يتفوق على القوة – بدلًا من الجدال أو الصراع، استخدم جحا المنطق ليجعل المشتري يقع في الفخ بنفسه.
🔹 الانتباه إلى التفاصيل قبل عقد أي صفقة – المشتري كان مستعجلًا في الشراء ولم ينتبه إلى أن شرط البئر سيجعله في موقف صعب لاحقًا.
🔹 بعض المشاكل لا تُحل بالغضب، بل بالتفكير بحل أكثر ذكاءً – حاول المشتري مواجهة جحا بغضب، لكنه في النهاية اضطر للاستسلام لحيلته بسبب عدم وجود حل منطقي آخر.
🔹 لا تقلل من شأن أي شرط صغير، فقد يكون هو النقطة الفاصلة – ما بدا كشرط بسيط في البداية تحول إلى وسيلة لجحا ليحقق مكسبًا غير متوقع! 😆

أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات