النَّجْمُ الصَّغِيرُ الَّذِي ضَلَّ طَرِيقَهُ

النَّجْمُ الصَّغِيرُ الَّذِي ضَلَّ طَرِيقَهُ

النَّجْمُ الصَّغِيرُ الَّذِي ضَلَّ طَرِيقَهُ


فِي لَيْلَةٍ هَادِئَةٍ مَلِيئَةٍ بِالنُّجُومِ اللَّامِعَةِ، كَانَ هُنَاكَ نَجْمٌ صَغِيرٌ يُدْعَى لُومِي يَعِيشُ بَيْنَ أَصْدِقَائِهِ فِي السَّمَاءِ. كَانَ لُومِي يَلْمَعُ بِخَجَلٍ، لَكِنَّهُ كَانَ يَحْلُمُ دَائِمًا بِأَنْ يُصْبِحَ أَكْثَرَ إِشْرَاقًا مِنْ أَيِّ نَجْمٍ آخَرَ.

ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَبَيْنَمَا كَانَ يَرْقُصُ مَعَ النَّسِيمِ اللَّيْلِيِّ، نَظَرَ إِلَى الْأَسْفَلِ وَرَأَى الْأَرْضَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ. كَانَتْ مُضِيئَةً بِالْمَصَابِيحِ، تَتَلَأْلَأُ مِثْلَ السَّمَاءِ، فَشَعَرَ بِفُضُولٍ شَدِيدٍ لِاكْتِشَافِ هَذَا الْعَالَمِ الْجَدِيدِ.

قَالَ فِي نَفْسِهِ: "مَاذَا لَوِ اقْتَرَبْتُ أَكْثَرَ؟ رُبَّمَا سَأَكُونُ نَجْمًا كَبِيرًا هُنَاكَ!" فَبَدَأَ يَهْبِطُ بِبُطْءٍ نَحْوَ الْأَرْضِ، مُتَجَاهِلًا نِدَاءَ أَصْدِقَائِهِ الَّذِينَ حَذَّرُوهُ مِنَ الِابْتِعَادِ كَثِيرًا.

كُلَّمَا اقْتَرَبَ أَكْثَرَ، شَعَرَ بِالدِّفْءِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَنَّهُ كَانَ يَنْجَذِبُ نَحْوَ وَهَجِ الْمَصَابِيحِ الْكَهْرَبَائِيَّةِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ أَخِيرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَجَدَ نَفْسَهُ فَوْقَ مَنْزِلٍ صَغِيرٍ حَيْثُ كَانَ طِفْلٌ صَغِيرٌ يُدْعَى كَرِيم يَحْدِقُ إِلَى السَّمَاءِ بِحُزْنٍ.

رَأَى لُومِي دَمْعَةً تَنْسَابُ عَلَى خَدِّ كَرِيم، فَاقْتَرَبَ مِنْهُ وَهَمَسَ لَهُ: لِمَاذَا أَنْتَ حَزِينٌ أَيُّهَا الصَّغِيرُ؟

تَفَاجَأَ كَرِيم وَنَظَرَ حَوْلَهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا، فَأَجَابَ وَهُوَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ لِلسَّمَاءِ: لَقَدْ تَمَنَّيْتُ دَائِمًا أَنْ يَكُونَ لَدَيَّ نَجْمٌ خَاصٌّ بِي، وَكُنْتُ أَتَمَنَّى لَوْ يَقْتَرِبُ نَجْمٌ مِنِّي يَوْمًا مَا!

شَعَرَ لُومِي بِالسَّعَادَةِ لِأَنَّهُ حَقَّقَ أُمْنِيَةَ كَرِيم، لَكِنَّهُ شَعَرَ أَيْضًا بِالضَّعْفِ… فَقَدْ بَدَأَ يَخْفُتُ نُورُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا. أَدْرَكَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ إِنْ بَقِيَ عَلَى الْأَرْضِ، فَسَيَفْقِدُ بَرِيقَهُ تَمَامًا.

فَكَّرَ لَحْظَةً، ثُمَّ قَالَ لِـ كَرِيم: أَنَا سَعِيدٌ لِأَنِّي قَابَلْتُكَ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ أَعُودَ إِلَى السَّمَاءِ، فَهُنَاكَ مَكَانِي الْحَقِيقِيُّ، وَهُنَاكَ أُضِيءُ بِقُوَّةٍ!

أَوْمَأَ كَرِيم بِرَأْسِهِ بِحُزْنٍ، لَكِنَّهُ فَهِمَ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مَكَانَهُ. فَقَالَ بِلُطْفٍ: اذْهَبْ يَا لُومِي، وَسَأَرَاكَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي السَّمَاءِ!

عَادَ لُومِي إِلَى مَكَانِهِ بَيْنَ النُّجُومِ، وَأَصْبَحَ يُضِيءُ أَقْوَى مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ أَنَّ قِيمَتَهُ لَيْسَتْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، بَلْ فِي دَوْرِهِ فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ يُضِيءُ لِمَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ.

وَمُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، كَانَ كَرِيم يُلَوِّحُ لِلنَّجْمِ الصَّغِيرِ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَيَشْعُرُ بِالسَّعَادَةِ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ صَدِيقَهُ يُرَاقِبُهُ مِنَ الْأَعْلَى.
أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات