آخر سلاطين غرناطة

آخر سلاطين غرناطة

آخر سلاطين غرناطة
 آخر سلاطين غرناطة

الفصل الأول: غرناطة تحت الحصار

كانت السماء ملبدة بالغيوم، وكأنها تبكي على غرناطة، آخر معاقل المسلمين في الأندلس. من شرفة قصر الحمراء، وقف السلطان أبو عبد الله محمد الثاني عشر، متأملاً المدينة التي لم يعد يملكها. كانت أصوات الجنود القشتاليين تتردد عبر الأحياء، وأعلامهم الحمراء والصفراء ترتفع فوق الأسوار التي صمدت لقرون.
تأوه السلطان بصوت خافت وهو ينظر إلى يديه المرتعشتين، يديه اللتين لم تتمكنا من حماية إرث أجداده. خلفه، كانت والدته عائشة الحرة، المرأة الحديدية التي قاومت كل شيء، حتى ابنها عندما همّ بالتخاذل. قالت بصوت يملؤه العتاب:
"أتبكي كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال؟"
كان يعلم أن كلماتها ستطارده حتى بعد الموت. كان يعلم أن هذه الليلة ستكون الأخيرة له كسلطان، والأولى له كأسير.
في الخارج، كان سكان غرناطة يتهيأون للأسوأ. بعضهم جمع أمتعته وهرب، والبعض الآخر جلس يبكي في الأزقة، بينما ارتفعت أصوات المؤذنين بالأذان الأخير، أذان لم يلبِّه أحد…

الفصل الثاني: الاتفاق المشؤوم

في قاعة العرش، حيث كانت جدران القصر تحكي أمجاد بني الأحمر، جلس السلطان الصغير في حضرة الملوك الكاثوليك، فرناندو وإيزابيلا. لم يكن أمامه سوى توقيع المعاهدة التي ستسلبه ملكه إلى الأبد.
"سوف نضمن لك السلام، وسكان غرناطة سيعيشون في أمان…" قال فرناندو بابتسامة ماكرة.
لكن السلطان لم يكن غافلاً عن الغدر الأوروبي، فكم من عهود نقضت وكم من دماء أريقت بعد وعود زائفة؟ ومع ذلك، لم يكن أمامه خيار، فوقّع المعاهدة بيد مرتجفة، بينما نظر إليه مستشاروه بعيون ممتلئة بالخذلان.
خرج السلطان من القاعة، وبينما كان يسير في أروقة القصر، شعر وكأن الجدران تبكي معه. هنا كان يسمع ضحكات والده في طفولته، وهناك رأى ظل جده وهو يخطط لحماية غرناطة. أما الآن، فكل شيء انتهى.

الفصل الثالث: دموع على الجبل

عند مغادرة غرناطة، توقف السلطان عند قمة جبل، ونظر إلى المدينة للمرة الأخيرة. كانت تقبع هناك، جميلة كعادتها، لكنها لم تعد له. تساقطت دموعه وهو يتذكر كل لحظة عاشها بين جدران قصره.
عندها فقط، همست والدته عائشة الحرة بكلماتها الشهيرة، تلك الكلمات التي أصبحت لعنة تلاحقه إلى الأبد:
"ابكِ كالنساء ملكًا لم تحافظ عليه كالرجال."
في تلك اللحظة، لم يكن السلطان أبو عبد الله مجرد رجل فقد ملكه، بل كان رمزًا لمأساة أمة بأكملها.

الفصل الرابع: المنفى والندم

رحل السلطان مع قافلته إلى المنفى في المغرب، حيث استقبله السلطان الوطاسي ببرود. لم يكن هناك مجد ينتظره، بل مجرد حياة باهتة بعيدة عن أمجاد الأندلس.
في لياليه الطويلة، كان أبو عبد الله يجلس على شاطئ البحر، يتأمل أمواج المحيط التي تفصل بينه وبين غرناطة. كان يعلم أن ذاكرة المدينة ستبقى حيّة في قلوب أبنائها، لكنها لن تعود أبدًا.
وذات ليلة، وبينما كان القمر يعكس ضوءه على المياه، همس السلطان بحزن:
"غرناطة، سامحيني..."
كانت تلك كلماته الأخيرة، قبل أن يغيب عن العالم، تاركًا وراءه قصة تُروى للأبد.

الفصل الخامس: نهاية عهد

لم تمر سنوات قليلة حتى بدأ المسيحيون في نكث العهود التي قطعوها في معاهدة الاستسلام. بدأت حملات القمع ضد المسلمين، وفرضت القيود على ثقافتهم ولغتهم، وأجبروا على التنصير أو الرحيل.
في أزقة غرناطة، كانت الأندلس تبكي بصمت، بينما كانت الأجراس تحلّ محل الأذان، والمآذن تهدم أو تتحول إلى أبراج كنائس. كان السكان المسلمون يختبئون في منازلهم، يتهامسون بخوف عن مستقبل مجهول.
أما في المغرب، فقد كانت الأخبار تصل إلى السلطان المخلوع، تزيد من ألمه وندمه. لم يكن قادراً على فعل شيء سوى مشاهدة المجد يندثر كما يندثر السراب في الصحراء.
وذات مساء، وبينما كان جالسًا يتأمل الشمس وهي تغيب خلف الأفق، شعر وكأنها تغرب معه. تلك الليلة، نام السلطان أبو عبد الله، لكنه لم يستيقظ أبدًا.

دروس وعبر من القصة

  1. أهمية القيادة القوية: لم يكن سقوط غرناطة مجرد حدث تاريخي، بل كان نتيجة لضعف القيادة والانقسامات الداخلية.
  2. العبرة من الغدر والوعود الكاذبة: التاريخ يثبت أن العهود التي تقدمها القوى الاستعمارية غالبًا ما تنقض بمجرد تحقيق أهدافها.
  3. القوة في الوحدة: عندما توحد المسلمون في الأندلس، تمكنوا من الصمود لأكثر من سبعة قرون، لكن التفرق أدى إلى زوالهم.
  4. أهمية الاستعداد والمقاومة: لا يمكن الحفاظ على المجد دون قوة تحميه، والتخاذل يؤدي إلى فقدانه.
  5. التاريخ يعيد نفسه: ما حدث في غرناطة يمكن أن يحدث في أي مكان، إذا لم تُؤخذ العبر والدروس بعين الاعتبار.

أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات