الْمَدِينَةِ الْمُضِيئَةِ
فِي
زَمَانٍ بَعِيدٍ، كَانَتْ هُنَاكَ مَدِينَةٌ سِحْرِيَّةٌ فِي وَسَطِ
الْجِبَالِ، لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ طَرِيقَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا. كَانَتْ تُدْعَى "مَدِينَةُ
النُّورِ"، وَكَانَ يَحْكِي النَّاسُ أَنَّهَا تُضِيءُ
فِي اللَّيْلِ بِلُونٍ ذَهَبِيٍّ بَهِيٍّ، وَأَنَّ سُكَّانَهَا لَهُمْ قُدْرَاتٌ
خَارِقَةٌ.
فِي
قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ، عَاشَ وَلَدٌ فَقِيرٌ يُدْعَى رَامِي، كَانَ يُحِبُّ
سَمَاعَ قِصَصِ الْمَدِينَةِ الْمُضِيئَةِ، وَكَانَ حُلْمُهُ الْوَحِيدُ أَنْ
يَجِدَهَا وَيَكْتَشِفَ سِرَّهَا.
فِي
يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ، وَجَدَ رَامِي خَارِطَةً قَدِيمَةً فِي دَفْتَرِ
جَدِّهِ، وَكَانَتْ تَدُلُّ عَلَى طَرِيقٍ وَعِرٍ يَقُودُ إِلَى مَدِينَةِ
النُّورِ. لَمْ يُصَدِّقْ عَيْنَيْهِ! قَرَّرَ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَنْ
يَبْدَأَ رِحْلَتَهُ.
الرِّحْلَةُ الْغَامِضَةُ
حَمَلَ
رَامِي حَقِيبَتَهُ وَسَارَ وَحْدَهُ فِي الْجِبَالِ. مَرَّ بِغَابَاتٍ
كَثِيفَةٍ وَأَنْهَارٍ مُتَدَفِّقَةٍ، وَقَابَلَ فِي طَرِيقِهِ رَجُلًا عَجُوزًا
جَالِسًا أَمَامَ مَغَارَةٍ.
قَالَ
لَهُ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ: إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ يَا صَغِيرِي؟
أَجَابَ
رَامِي بِحَمَاسٍ: أُرِيدُ الْوُصُولَ إِلَى مَدِينَةِ النُّورِ
اِبْتَسَمَ
الرَّجُلُ الْعَجُوزُ وَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَبْحَثُ عَنْهَا
يَجِدُهَا… وَإِنَّمَا مَنْ يَسْتَحِقُّهَا
لَمْ
يَفْهَمْ رَامِي مَا قَصَدَهُ الرَّجُلُ، لَكِنَّهُ شَكَرَهُ وَوَاصَلَ
طَرِيقَهُ.
الاِكْتِشَافُ الْكَبِيرُ
بَعْدَ
أَيَّامٍ مِنَ الْمُغَامَرَةِ، وَصَلَ رَامِي إِلَى مَكَانٍ مُظْلِمٍ
وَعَالٍ، وَهُنَاكَ وَجَدَ بَابًا ضَخْمًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: "لَا
يَدْخُلُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ إِلَّا مَنْ قَلْبُهُ مُضِيءٌ."
تَعَجَّبَ
رَامِي وَقَالَ: كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْقَلْبِ أَنْ يُضِيءَ؟
فَجْأَةً،
تَذَكَّرَ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي قَامَ بِهَا فِي رِحْلَتِهِ:
سَاعَدَ طِفْلًا ضَائِعًا، وَأَعْطَى طَعَامًا لِطَائِرٍ جَرِيحٍ، وَسَاعَدَ
رَجُلًا مُسِنًّا. شَعَرَ بِدِفْءِ غَرِيبٍ فِي صَدْرِهِ، وَفَجْأَةً، أَضَاءَ
قَلْبُهُ بِنُورٍ ذَهَبِيٍّ!
فَتَحَ
الْبَابُ بِنَفْسِهِ، وَوَجَدَ نَفْسَهُ أَمَامَ مَدِينَةٍ تَلْمَعُ كَأَنَّهَا
مِنَ الذَّهَبِ! كَانَ النَّاسُ هُنَاكَ طَيِّبِينَ،
يُعِيشُونَ فِي سَلَامٍ وَحُبٍّ.
سِرُّ الْمَدِينَةِ
اِقْتَرَبَ
مِنْهُ رَجُلٌ حَكِيمٌ وَقَالَ: مَدِينَةُ النُّورِ لَا يُمْكِنُ أَنْ
يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ كَانَ قَلْبُهُ نَقِيًّا وَمُضِيئًا بِالْخَيْرِ
وَالْمَحَبَّةِ
فَهِمَ
رَامِي أَنَّ النُّورَ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ فِي الْمَدِينَةِ، بَلْ فِي
الْقُلُوبِ الطَّيِّبَةِ!
عَادَ رَامِي
إِلَى قَرْيَتِهِ، وَأَخْبَرَ الْجَمِيعَ بِمَا رَآهُ، وَصَارَ يُعَلِّمُهُمْ
أَنَّ الْحُبَّ وَالْعَطَاءَ يُنِيرَانِ الْقَلْبَ، وَأَنَّ الْخَيْرَ هُوَ
أَكْبَرُ سِحْرٍ فِي الْحَيَاةِ!
النِّهَايَةُ ✨🏙️