دروس من الحياة

دروس من الحياة

دروس من الحياة
قصصي بالعربي

في ليلةٍ باردة من ليالي الشتاء، جلستُ أمام نافذتي أتأمّل قطرات المطر وهي ترسم لوحاتٍ عشوائية على زجاجها، فيما كان عقلي يتأرجح بين الذكريات والتأملات. تساءلتُ: "ما الذي تعلّمتُه من الحياة؟"
لم تكن الإجابة سهلة، فالسنوات الماضية كانت مدرسةً قاسية، دروسها لا تُقدَّم مجانًا، بل تُدفع تكاليفها من راحة البال، ومن الأحلام التي أُجهِضت قبل أن تبصر النور. لكنني أدركتُ أن الحياة ليست ظالمة كما نظن، بل هي معلّمة صارمة لا تمنح شهاداتها إلا لمن يجتاز اختبارات الصبر والوعي.

الدرس الأول: لا شيء يدوم

تعلمتُ أن الفرح مؤقت، والحزن كذلك. في يومٍ ما، كنتُ أضحك بملء قلبي، أظنّ أن الدنيا لن تعرف طريقها إلى حزني، وفي يومٍ آخر، كنتُ أغرق في الحزن، متيقنًا أنني لن أبتسم مجددًا. ومع الوقت، أدركتُ أن كليهما ضيفٌ عابر، يأتي ويرحل دون استئذان.

الدرس الثاني: التغيّر حتميّ

تغيّرتُ كثيرًا. لم أعد الشخص الذي كنته قبل خمس سنوات. كانت الحياة تجبرني على التكيّف، كأنني قطعة صلصال بين يديها، تشكّلني كيفما تشاء. في البداية قاومتُ، شعرتُ بالخذلان، لكنني أدركتُ لاحقًا أن التغيّر ليس ضعفًا، بل دليلٌ على أنني ما زلتُ أعيش.

الدرس الثالث: الوحدة ليست دائمًا عدوًّا

لطالما اعتقدتُ أن الوحدة هي الفراغ، أن تكون بلا أحد يعني أن تفقد كل شيء. لكنني تعلّمتُ أن الوحدة قد تكون أحيانًا ملاذًا، حيث تتعرّف على نفسك، تسمع صوتك الداخلي دون تشويش. في لحظات العزلة، اكتشفتُ من أنا، ماذا أريد، وماذا لا أريد.

الدرس الرابع: لا أحد يبقى إلى الأبد

أحببتُ أشخاصًا رحلوا، بعضهم بإرادتهم، والبعض الآخر أخذتهم الأقدار. بكيتُ فراقهم، تمسّكتُ بذكرياتهم، لكنني في النهاية أدركتُ أن الحياة تمضي، وأننا لسنا سوى محطات في دروب الآخرين، كما أنهم محطاتٌ في دروبنا.

الدرس الخامس: العطاء لا يعني الاستنزاف

كنتُ أعتقد أن حبّ الآخرين يعني أن أمنح بلا حدود، أن أُنهِك روحي من أجل إسعادهم. لكن الحياة علّمتني أن العطاء لا يجب أن يكون على حساب نفسي، وأنني أستحق أن أُحب وأُقدَّر مثلما أُحبّ وأُقدّم.

في النهاية…

بعد سنواتٍ من البحث والتجارب، أدركتُ أن الحياة لا تعلّمنا كل شيء دفعةً واحدة، بل تعطينا دروسها بالتقسيط، تختبر صبرنا، ثم تمنحنا الحكمة كمكافأة. ربما لن أفهم كل شيء الآن، لكنني أعرف شيئًا واحدًا: أنني في كل يومٍ جديد، سأكون نسخةً أكثر وعيًا، وأكثر امتنانًا لما تعلّمته من الحياة.
أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات