رحلتي في الدار البيضاء
هبطت الطائرة في مطار محمد الخامس، وقلبي يخفق بشوق لاستكشاف مدينة طالما سمعت عنها القصص. كان الهواء معبّقًا بمزيج من نسمات المحيط الأطلسي ورائحة القهوة المغربية التي تفوح من المقاهي القريبة. عند بوابة الخروج، استقبلتني أصوات سائقي التاكسي وعروضهم المألوفة: "فندق؟ المدينة القديمة؟ أين تريد الذهاب؟"
اخترت سيارة أجرة سوداء وأعطيت السائق وجهتي الأولى: المدينة القديمة. بينما نشق طريقنا وسط الشوارع المزدحمة، كانت الدار البيضاء تبدو كمزيج مدهش بين العراقة والحداثة. المباني البيضاء الشاهقة تلوح في الأفق، في حين تتسلل الأزقة الضيقة برائحة التوابل والسجاد الملون.
الفصل الثاني: المدينة القديمة – قلب التاريخ
حين وطأت قدماي أزقة المدينة القديمة، شعرت وكأنني دخلت آلة الزمن. جدران أثرية تروي قصص قرون مضت، وأصوات الباعة تنادي بأسمى عبارات الترحيب، يعرضون بضائعهم من الجلابيب المطرزة إلى المصابيح النحاسية المتلألئة. لم أستطع مقاومة الدخول إلى أحد المتاجر الصغيرة حيث كان العجوز مصطفى يروي لي قصة كل قطعة يعرضها.
• "هذا الخنجر كان يعود إلى فارس مغربي قاتل في معركة وادي المخازن... وهذه الزربية من الصوف النقي، صنعتها نساء الأطلس بلمساتهن السحرية."
ابتسمت وأنا أتأمل تلك الكنوز التاريخية، ثم تابعت طريقي متوغّلًا أكثر في دهاليز المدينة العتيقة.
الفصل الثالث: المتاجر والأسواق – حيث تنبض الحياة
لم يكن بوسعي مقاومة زيارة السوق المركزي، حيث تلتقي الروائح والنكهات في سيمفونية فريدة. تجولت بين الباعة، تذوقت بعض الفواكه المجففة، وتأملت الزهور المتناثرة على الأرصفة. كان هناك محل صغير يديره شاب يُدعى ياسين، يبيع أجود أنواع التوابل.
• "هل جربت الهريسة المغربية؟" سألني بابتسامة.
• "ليس بعد، ولكنني متحمس لتجربتها!"
ناولني عينة صغيرة، وحرارة الفلفل الحار امتزجت مع نكهة الكمون والكزبرة، مما جعلني أدرك لماذا يصفون المطبخ المغربي بالسحر المتبل.
الفصل الرابع: كورنيش عين الذئاب – بين البحر والليل
مع غروب الشمس، توجهت إلى كورنيش عين الذئاب، حيث الأمواج تتلاطم بجنون، والمقاهي تعج بالحياة. جلست في أحد المقاهي المطلة على البحر، احتسيت شاي النعناع الساخن بينما تتلألأ أنوار المدينة على صفحة الماء. هناك، تأملت كيف تمتزج العراقة بالعصرية، وكيف تحكي هذه المدينة قصصها لكل من يرغب في الاستماع.
الفصل الخامس: حي الأحباس – عبق الأندلس
في صباح اليوم التالي، توجهت إلى حي الأحباس، الحي الذي يحمل بصمة العمارة الأندلسية. المشي بين أزقته الضيقة يشعرك وكأنك في إحدى مدن غرناطة القديمة، حيث تتزين الجدران بالأقواس والزخارف الإسلامية. مررت بمكتبة قديمة تعرض كتبًا عن تاريخ المغرب، فاشتريت نسخة من كتاب يتحدث عن الأسر الحاكمة القديمة.
على الجانب الآخر، كان هناك سوق يعج بالمخطوطات القديمة، والتحف اليدوية، والعطور الشرقية التي تفوح بعبق العنبر والمسك. استوقفتني رائحة الجلد الطازج من إحدى الورش التقليدية لصناعة الأحذية المغربية، فتوقفت لمشاهدة الصنّاع المهرة وهم يحولون القطع الجلدية إلى تحف فنية.
الفصل السادس: ساحة الأمم المتحدة – قلب الحداثة
بعد جولة في أحياء التاريخ، قررت الانتقال إلى الوجه الآخر للمدينة، حيث المباني الزجاجية اللامعة، والمطاعم العصرية، وأبراج الشركات العالمية. وصلت إلى ساحة الأمم المتحدة، حيث يعج المكان بالحياة، والسيارات الفارهة تمر بجانب الترام الحديث، في مشهد يعكس تطور المدينة السريع.
توقفت أمام أحد المقاهي العصرية، طلبت كوب قهوة سوداء وجلست أتأمل التناقض الجميل بين الماضي والحاضر. من نافذة المقهى، رأيت شوارع تمتد إلى أحياء أخرى تنتظر أن أستكشفها، فقررت أن رحلتي في الدار البيضاء لم تنتهِ بعد، بل إنها بدأت للتو...
الفصل السابع: مسجد الحسن الثاني – جوهرة معمارية
لا يمكن زيارة الدار البيضاء دون المرور بمسجد الحسن الثاني، ذلك الصرح العملاق الذي يطل على المحيط الأطلسي. مع كل خطوة داخل هذا المسجد، شعرت بهيبة المكان وروعة الزخارف الإسلامية التي تغطي الجدران. ارتفع صدى الأذان بين الأعمدة الشاهقة، فغمضت عيني للحظة، مستمتعًا بجمالية اللحظة.
بعد الصلاة، تجولت في الساحة الخارجية، حيث التقطت بعض الصور لهذا المعلم البديع، قبل أن أواصل رحلتي لاكتشاف المزيد.
الفصل الثامن: المعاريف – نبض المدينة الحديثة
اتجهت بعدها إلى حي المعاريف، قلب الأعمال والتجارة في الدار البيضاء. ناطحات السحاب، المكاتب الفاخرة، والمراكز التجارية الضخمة كانت تحيط بي من كل اتجاه. دخلت أحد المولات الحديثة، حيث تجولت بين المحلات الفاخرة، قبل أن أتوقف لتناول وجبة مغربية في أحد المطاعم الأنيقة.
بدا واضحًا لي أن الدار البيضاء ليست فقط مدينة تاريخية، بل هي مركز للحياة العصرية، حيث يلتقي الماضي بالحاضر في تناغم رائع.