سوق الحرية: رائحة الذكريات والذهب المفقود
![]() |
سوق الحرية: رائحة الذكريات والذهب المفقود |
الفصل الأول: الصندوق الغامض
كان الضباب الكثيف ينساب كشبح بين أزقة سوق الحرية في أكادير، يحجب أشعة الشمس الأولى التي حاولت اختراقه دون جدوى. الأصوات المبكرة للباعة تتصاعد هنا وهناك، مختلطةً بأجراس عربات الخيول التي ما زالت تجوب السوق رغم مرور الزمن.
في زاوية مظلمة قرب مدخل السوق القديم، وقف "يوسف" التاجر العجوز يراقب العالم بعينين كعيني صقر. يداه المتجعدتان تضغطان على صندوق خشبي غريب، منقوش عليه رموز أمازيغية باهتة. كان الصندوق مغطى بطبقة سميكة من الغبار، كأنه قادم من عالم آخر.
فجأة، انفتح باب السوق بعنف بفعل الرياح، ودخلت "ليلى"، الفتاة الإسبانية ذات الشعر النحاسي المتطاير، تحمل كاميرا قديمة وتنظر حولها بفضول الباحث عن المجهول. نظرتها توقفت عند يوسف، ثم عند الصندوق الغريب.
كم ثمن هذا الصندوق الجميل؟ سألت بلهجة سياحية واضحة.
رفع يوسف رأسه ببطء، وعيناه تلمعان في الظلام: "هذا ليس للبيع يا بنية... إنه يحمل لعنة من زمن الزلزال".
الفصل الثاني: لعنة الزلزال
جلس يوسف على كرسيه الخشبي المهترئ، وأشار لليلى أن تجلس أمامه. أخرج من جيبه غليوناً قديماً وأشعل ناراً صغيرة بيديه المرتعشتين.
قبل أن يضرب الزلزال هذه الأرض في عام 1960، كان هذا السوق يُدعى 'سوق الأحد'، وكانت عائلتي تملك أشهر دكان للذهب في كل أكادير"، بدأ يوسف قصته بصوت أجش.
أخرج من تحت الطاولة صورة قديمة بالأسود والأبيض لعائلة تقف أمام الدكان. "في تلك الليلة المشؤومة، كان والدي يحتفظ بكنز ثمين في صندوق سري... لكن الزلزال جاء كالوحش، ودفن كل شيء تحت الأنقاض".
أومأت ليلى باهتمام بينما كان يوسف يمسح دموعه خفية. "والدي مات وهو يحاول إنقاذ الكنز... وهذا الصندوق كان الخريطة الوحيدة للعثور عليه، لكن انظر هنا". أشار بإصبعه إلى رمز غريب منحوت على جانب الصندوق.
"هذه 'عين الحسود'... وهي تحذير من أن الكنز ملعون".
الفصل الثالث: المطاردة
بينما كانا يتفحصان الرموز الغريبة، شعرت ليلى بوخز غريب في ظهرها. التفتت فجأة لترى رجلاً طويل القامة يرتدي جلبابة سوداء يختفي خلف أحد الأكشاك.
"يبدو أننا لسنا وحدنا المهتمين بهذا الصندوق"، همست ليلى.
قبل أن يتمكن يوسف من الرد، سمعا صوت زجاج يحطم في مكان قريب. اندفعت ليلى باتجاه الصوت، بينما حاول يوسف اللحاق بها وهو يتنفس بصعوبة.
عندما وصل إلى الزاوية، لم يجد سوى حقيبة ليلى ملقاة على الأرض، وفي جيبها الخارجي ورقة صفراء مكتوب عليها بخط دم: الذهب لنا... والسوق سيعود أنقاضاً.
الفصل الرابع: الحقيقة المخفية
"يجب أن نجدها قبل فوات الأوان!" صاح يوسف وهو يجرّ قدميه المتعبتين نحو دكان الحاج عمر، بائع التوابل العجوز الذي يعرف كل أسرار السوق.
"الرجال ذوو الجلابيب السوداء هم من 'عصابة الظل'"، قال الحاج عمر وهو يعد شاي النعناع بيدين ثابتتين. "لقد سرقوا ذهب الناجين بعد الزلزال، والآن يعتقدون أن الصندوق سيؤدي لهم إلى بقية الكنز".
بعد ساعات من البحث في الأرشيف القديم للسوق، اكتشفوا أن هناك قبوًا سريًا تحت محل يوسف القديم. مسلحين بمصابيح ضعيفة، نزلوا إلى الظلام الدامس.
في الزاوية الأبعد، وجدوا ليلى مقيدة إلى عمود حجري، حولها صناديق خشبية عليها بقع بنية قديمة... بقع دماء.
"لقد وجدتمونا أخيرًا"، قالت ليلى بابتسامة غريبة وهي تطلق نفسها من القيود بسهولة مذهلة. "لكن السؤال هو... لمن سيذهب الذهب الآن؟"
النهاية: حرية حقيقية
انفجر شجار عنيف في القبو الضيق، تبادلت فيه اللكمات والطلقات بين يوسف والحاج عمر من جهة، وأعضاء العصابة من جهة أخرى. فجأة، سمعوا صفارات الشرطة تقترب.
"لقد أبلغت الشرطة عندما رأيتهم يختطفونك"، همس الحاج عمر في أذن ليلى.
بعد أيام، عاد الذهب إلى أصحابه الشرعيين، وقرر يوسف التبرع بجزء كبير منه لإعادة ترميم السوق. الصندوق الغامض وُضع في متحف أكادير، وكُتب على لوحته الذهبية: *"سوق الحرية... حيث تُدفن الأسرار وتُولد الحرية"*.
أما ليلى... فقد اختفت كما جاءت، تاركةً فقط رائحة عطرها الغريب وراءها.
حتى اليوم، إذا مررت بالسوق عند الغروب، وقد سمعت همساً يأتي من الأزقة القديمة، تذكر كلمات يوسف: "احذر عين الحسود... فالسوق يحكي أكثر مما يبيع".