قصص قصيرة تاريخية: آخر حارس للقلعة

قصص قصيرة تاريخية: آخر حارس للقلعة

قصص قصيرة تاريخية: آخر حارس للقلعة
قصصي بالعربي

الفصل الأول: القلعة التي لا تنام

في أعماق جبال الأطلس الغامضة، حيث يختلط الضباب برائحة الطين والرمل، كانت هناك قلعة حجرية عظيمة تُدعى "قلعة أمليل"، تقف وحيدة على قمة جبل شاهق، كأنها تتحدى الزمن والرياح والعزلة. لم تكن القلعة مأهولة منذ قرون، لكن السكان المجاورين كانوا يحذرون الغرباء من الاقتراب منها، فهي، كما تقول الأساطير، لا تنام.
كانت الحجارة الداكنة للجدران مشققة، والممرات مغطاة بالغبار، غير أن هناك شيئًا غامضًا فيها لا يزال حيًا… شيء لا يُرى، لكن يُحَسّ. كانت الطيور تحلّق فوقها دون أن تجرؤ على الهبوط، والكلاب تعوي كلما اقترب أحد من محيطها.
في ليلة باردة، مرّ بها شيخ طاعن في السن يُدعى إدريس، يحمل عصاه من خشب الزيتون، ووجهه مطبوع بتجاعيد السنين والتجارب. كان يبحث عن مكان يقضي فيه ما تبقى من عمره، لكنه لم يكن رجلاً عاديًا. كان يعرف أن القلعة تخفي شيئًا. كان يعرف أنه لا يذهب إليها ليعيش... بل ليكتشف سرّها.

خاتمة الفصل:

الشيخ إدريس لم يكن أول من دخل القلعة... لكنه قد يكون آخر من يخرج منها.


الفصل الثاني: الحجارة تتكلم

في صباح باهت، استيقظ إدريس على صوت الرياح وهي تضرب النوافذ المحطمة كأنها تنذر بالعاصفة. نهض يتفقد المكان، فوجد نقوشًا على الجدران بلغة قديمة مزيجة بالأمازيغية والعربية، تحكي عن "سعيد"، الحارس الأول للقلعة، الذي مات غدرًا أثناء حصار قبل 400 عام.
بين النقوش، ظهرت جملة محفورة بعمق:
"لا يُغادر الحارس إلا إذا اختار من يخلفه."
في تلك اللحظة، سمع إدريس همهمة منخفضة قادمة من أحد الأبراج. صعد الدرجات المهترئة، وكل خطوة كانت تصرخ تحت قدميه. وعندما وصل، رأى ظلالاً تتحرك كأنها تتنفس على الجدران، وعينين تلمعان في الظلمة.
اقترب منها وقال:
– إن كنت سعيدًا، فاعلم أني جئت لا للهرب، بل للفهم.
ثم ساد الصمت... وشيء في الهواء تغيّر.

خاتمة الفصل:

بدأت القلعة تتنفس، وكأنها استيقظت من نومٍ طويل... بانتظاره.

الفصل الثالث: ياسين… وريث الدم

بعد أيام من الوحدة، وصل شاب في الثلاثينات يُدعى "ياسين"، طويل القامة، عيناه كأنهما تخبئان غيمة. قال إنه سمع عن رجلٍ يعيش في القلعة، وادّعى أن حلمًا قاده إلى هذا المكان.
رحّب به إدريس، لكن شيئًا في طريقة كلام الشاب لم يكن مريحًا. لم يكن يخاف، بل كان يعرف كل زاوية، وكأنه وُلد بين حجارة القلعة.
قال له ذات ليلة:
– جدي قُتل هنا، كان جنديًا خلال الاستعمار... وأنا جئت لأُنهي ما بدأه.
ابتسم إدريس، لكنه لم يقل شيئًا. في أعماقه، بدأ يشك أن هناك سرًا يربط الشاب بالقلعة… سر قديم، مليء بالدم.

خاتمة الفصل:

في تلك الليلة، سُمع صوت باب يُغلق من تلقاء نفسه… باب لم يُفتح منذ قرن.

الفصل الرابع: همسات الحجر

بدأ ياسين يتجول في القلعة ليلًا، يتحدث إلى الجدران، يضع يده على الصخور، يردد أسماء غريبة.
أحد الليالي، وجده إدريس جاثيًا أمام إحدى الزوايا وهو يتمتم:
– أنا مستعد... أقبل الدم... أقبل الدور...
صرخ به إدريس:
– عن ماذا تتحدث؟ من تُخاطب؟
فتح ياسين عينيه وقال بنبرة غريبة:
– "سعيد" لا يريد المغادرة، لكنه وافق أن أكون الجسر…
وفي لحظة صمت، سمع الشيخ همسات خلفه، همسات تتردد في رأسه:
"الدم يجب أن يُراق، ليحيا الحارس الجديد."

خاتمة الفصل:

تبدّلت ملامح القلعة... أصبحت وكأنها تبتسم.

الفصل الخامس: الاختيار

بدأت القلعة تتغيّر. الأبواب التي كانت موصدة فُتحت، الممرات تكشّفت، والأصوات صارت أكثر وضوحًا. كان إدريس يرى أحلامًا عن معارك قديمة، صراخ، نيران... وكان سعيد، الحارس القديم، يظهر له ويقول:
– أنت شاهد فقط، لكن ياسين... ياسين هو النذير.
في الليلة الأخيرة، صعد الشاب إلى أعلى برج، حيث كانت الطقوس تُقام قديمًا، وتبعته ظلال تتحرك مثل موجات الدخان. نادى إدريس عليه، لكنه لم يجب.
وفجأة، سمع صرخة... ثم صمت.
صعد مسرعًا، ليجد المكان خاليًا… سوى من نقش حديث كُتب بالدم:
"الحارس الجديد تم اختياره."

خاتمة الفصل:

ياسين لم يعد يَراه أحد… لكنه كان يُرى أحيانًا، واقفًا في أعلى البرج، يراقب.

الفصل السادس: العائد من الغياب

مرّت الشهور، وأخبار القلعة عادت إلى الانتشار. الناس قالوا إنهم رأوا أضواء تتوهج ليلاً، وصوت قرع طبول يُسمع من بعيد. قيل إن الحارس الجديد يُجري طقوسًا لا يعرفها أحد.
أما إدريس، فقد ترك القلعة وعاد إلى قريته، لكنّه لم يعد كما كان. عيناه لم تعد تنام، وصوته صار يحمل نبرة خوف.
في أحد أيام الشتاء، طرق باب منزله رجلٌ غريب، يرتدي عباءة سوداء، يحمل في يده حجرًا صغيرًا من حجارة القلعة. قال له:
– الحارس يدعوك للعودة… لقد آن أوانك.
أغلق إدريس الباب، ثم جلس على الأرض يبكي، فقد فهم الرسالة جيدًا…
النهاية المفتوحة: القلعة لا تختار... بل تستدعي. والسؤال الذي سيظل معلقًا:
هل ستعود لتأخذ الشيخ إدريس؟ أم أنها الآن تبحث عنك؟
أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات