كلمة صدق: قصة قصيرة عن الصدق والضمير

 كلمة صدق: قصة قصيرة عن الصدق والضمير

كلمة صدق: قصة قصيرة عن الصدق والضمير
قصصي بالعربي


الفصل الأول: الزيارة الأخيرة

كان الليل ثقيلاً، كأن الظلام نفسه يختنق.
طرق خفيفة على باب الخشب القديم مزّقت السكون، وقف سامي خلف الباب، يتصبب عرقًا رغم برودة الشتاء. عيناه تحدقان في المقبض، وأصوات أقدام تبتعد ببطء على الدرج، تترك خلفها شيئًا أثقل من الصمت... ورقة مطوية.
فتح الباب بحذر، فواجهه هواء بارد مشبع برائحة رطوبة وجدران مهترئة. التقط الورقة، قلبها بيد مرتعشة. جملة واحدة خُطّت بالحبر الأحمر:
"تعال إلى بيت الطاحونة قبل منتصف الليل، إن كنت تملك الشجاعة لقول الحقيقة."
كان يعلم تمامًا أي "كلمة صدق" تُطلب منه. شيء دفنه منذ سبع سنوات، ولا يزال يطارده في كوابيسه.
ومضى الليل يراقب خطواته، ينتظر قراره... هل سيذهب؟

 الفصل الثاني: الطاحونة القديمة

بيت الطاحونة... حيث بدأ كل شيء.
مبنى متآكل من الحجر والطين، جدرانه تشهق في الريح، وصوت الدولاب الخشبي المكسور يئن كأنه يحتضر. كانت الأرض رطبة، تنبعث منها رائحة عفنة كجثة ظلت مدفونة تحت المطر.
سامي وقف أمام الباب الحديدي، يده ترتجف على المقبض. دخوله هذا المكان كان بمثابة نبش قبر.
تقدم داخل المكان. كل خطوة كانت صدى لذاكرة قديمة…
تلك الليلة المشؤومة، عندما صرخ عمر... ثم سكت إلى الأبد.
من بين الظلال، صوت خافت جاءه: "اعترف... أو ستبقى هنا معنا."

الفصل الثالث: الاعتراف

صوتٌ بلا جسد... لكنه يعرفه.
كان صوت عمر. لا يشبه أي شيء في الحياة، بل أقرب لصوت يُسمع من داخل صدر مكسور. سامي سقط على ركبتيه، يلهث، والدموع تختلط بالوحل.
قال بصوت خافت:
"لم أكن أقصد... لم أقصد أن أدفعك. كنت غاضبًا. لكنك وقعت. أقسم أني لم أرد موتك يا عمر!"
الطاحونة صمتت... ثم اهتزّت الجدران.
الأرض انشقت، وظهر ضوء شاحب تحته سلّم خشبي غائر في الظلمة.
كأنّ كلمة الصدق فتحت له بوابة... لكن إلى أين؟

الفصل الرابع: القبو

الهواء هنا لا يُستنشق، بل يُقاتَل.
رائحة الدم، والعفن، وذكريات قديمة كلها اختلطت في جو خانق. القبو ضيق، وأصوات قطرات الماء تسقط ببطء على حجر قديم في المنتصف.
على الجدار، صور أطفال. وجوه مشوشة، بعيون مطفأة.
وسامي يعرف أحدهم... كان عمر، صديقه، الضحية.
في الركن، شيء يلمع. التقطه… كان هو السكين الذي فُقد يوم الحادث.
لكن سامي لم يطعنه، أو هكذا ظن.
هل خانته ذاكرته؟ أم كان هناك من يراقب بصمت؟

الفصل الخامس: الشاهد الصامت

المرآة القديمة في الزاوية بدأت تعكس شيئًا غير طبيعي.
لم تكن تعكس وجه سامي فقط… بل خلفه. شخص بملامح مشوهة، بثوب ممزق، وجهه يشبه عمر لكنّه أكبر، كأنه كبر في القبر.
قال الصوت من المرآة:
"الصدق لا يُقال مرة… بل يُعاش."
سامي شهق، وتراجع. لكنه لم يهرب. أمسك السكين، وأعاد النظر في وجه المرآة، ثم قال:
"أنا السبب. كنت أنانيًا. خفت أن أفقد مستقبلي فدفنت حقيقتك."
لحظة الاعتراف الحقيقي كانت أصدق من كل الكلام الذي قاله سابقًا...

الفصل السادس: الخروج

عندما صعد سامي السلم مرة أخرى، كان الفجر قد بدأ يتسلل بين الغيوم.
الطاحونة لم تعد تهتز، ولا شيء يهمس في الظلام. المكان أصبح صامتًا، كما لو أن كل الأرواح وجدت راحتها.
في جيبه وجد رسالة جديدة، لكنها لم تكن مرعبة…
بل كانت مكتوبة بخط عمر:
"الصدق حررك… الآن احرص أن لا تُكبل به من جديد."
خرج سامي، يشعر بأن الأرض أصبحت أكثر صلابة تحت قدميه، والهواء أقل سمّية.
لكن هل انتهت القصة فعلًا؟ أم أن الماضي لا يموت بهذه السهولة؟

الخاتمة: صوت الحقيقة

في كل ليلة، ما زال سامي يسمع أصوات خطوات خفيفة خلفه.
ربما الضمير لا ينام، وربما "كلمة صدق" واحدة لا تكفي لتسكين جراح قديمة.
لكنّه الآن لا يهرب.
لأن الصدق، وإن كان مؤلمًا… هو الطريق الوحيد للنجاة.

أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات