قصص قصيرة تاريخية: رسالة من الأندلس

قصص قصيرة تاريخية، رسالة من الأندلس

قصص قصيرة تاريخية: رسالة من الأندلس
قصصي بالعربي


الفصل الأول: الورقة القديمة

في ليلة شتوية موحشة، وبين جدران مكتبة قديمة في غرناطة، كان صوت الريح يصفّر بين رفوف الكتب كأنّه يهمس بأسرار من زمنٍ مضى.
دخل "ياسين"، باحث في التاريخ الإسلامي، يبحث عن مخطوطة نادرة قيل إنها تختفي وتظهر في أماكن مختلفة منذ قرون. ما إن فتح صندوقًا خشبيًا مغطى بالغبار، حتى وجد رسالةً قديمة مكتوبة بالحبر الأحمر، تفوح منها رائحة الرطوبة والجلد المحترق.
كانت الرسالة موقّعة باسم: "أمينة بنت الأندلس"، وتحمل تاريخًا غامضًا يعود إلى عام 1492، اليوم الذي سقطت فيه غرناطة.
“إن وصلتَ هذه الرسالة يومًا إلى يديك، فاعلم أن دماءنا ما زالت تصرخ من تحت التربة... واحذر، فإنك إن قرأت أكثر، لن تكون كما كنت.”
ارتجف قلبه، لم يكن يعرف أن فتح الرسالة هو بداية الكابوس.
نهاية الفصل:
هدير الريح اشتد، والأنوار بدأت تومض... وكأن شيئًا استُيقظ مع فتح الورقة. ماذا سيجد ياسين في السطور التالية؟

الفصل الثاني: الظل في الزاوية

كانت المكتبة تغرق في الظلام، سوى من شعاع باهت يصدر عن مصباح المكتب. بدأ ياسين يقرأ السطور التالية، وعيناه تتوسعان مع كل حرف.
“كنت هناك في الليلة التي أُحرقت فيها الكتب، عندما بكت الجدران ونزفت النوافذ...”
فجأة، سمع خشخشة خطوات خلفه، خفيفة لكنها قريبة... التفت بسرعة، لا أحد. لكنه شعر بأنفاس باردة تمرّ خلف عنقه، وأن ظلًا طويلًا ينسحب بين رفوف الكتب.
بدأت الجدران تنزّ رطوبة، ورائحة الخشب المحروق غلّفت أنفه.
“من هناك؟” صرخ، لكن الصدى وحده أجابه.
نهاية الفصل:
بيده المرتجفة، قلب الصفحة. لكن الحبر بدأ يتحرك... وكأن الكلمات نفسها تنبض بالحياة.

الفصل الثالث: البوابة الخفية

وجد بين السطور خريطة صغيرة، مرسومة بحبر أسود، تقود إلى باب حجري خلف رفوف كتب "ابن رشد". دفع الرف بتردد، وإذا بجدار خلفي ينفتح بصرير قديم يشبه صراخًا مكتومًا.
كان هناك ممر ضيق تفوح منه رائحة الخل والرطوبة، والإضاءة تأتي من شقوق في السقف تسرب شعاع قمر خافت. وعلى الجدار، كلمات محفورة:
“ما ضاع في النسيان، لا يموت. فقط ينتظر.”
دخل ياسين بخطوات مترددة. كلما توغل، شعر كأن شيئًا يراقبه من العتمة.
نهاية الفصل:
في نهاية الممر، وُجد بابٌ حديدي مغطى بأختام رمزية. وما إن لمسه، حتى سمع صوت فتاة تهمس باسمه من بعيد: "ياسين..."

الفصل الرابع: صوت من الماضي

لم يكن هناك مجال للشك. الصوت كان حقيقيًا. رقيقًا، مألوفًا، كأنه يتردد في أذنه منذ الطفولة.
فتح الباب ببطء. الغرفة كانت دائرية، تتوسطها مرآة كبيرة مغطاة بقماش أسود. وعلى الجدار، عُلّقت عشرات الرسائل بخيوط حرير حمراء، وكلها تحمل اسم "أمينة".
عندما اقترب من المرآة، رأى انعكاس وجهه مشوّهًا، ليس بفعل الضوء... بل كأن المرآة تُظهر جزءًا من روحه لم يعرفه من قبل.
“أنت لست أول من وجدني. لكنك ستكون الأخير، إن لم تُكمل ما بدأناه.”
همس الصوت ثانية، هذه المرة من داخل عقله.
نهاية الفصل:
سحب ياسين القماش عن المرآة... ولم يجد وجهه. بل وجد وجه فتاة أندلسية تبكي دمًا.

الفصل الخامس: السر المدفون

بينما كانت أنفاسه تتسارع، سقطت إحدى الرسائل عن الجدار. التقطها بيد مرتجفة، وقرأ:
“أنا أمينة، حفيدة آخر من كتب بالعربية في قصر الحمراء. خنقونا بالكتمان، وقتلونا بالحبر... من يقرأ رسالتي، يحمل وعدًا قديمًا بالانتقام.”
اهتزت الجدران، وبدأت الأرض ترتج، وتساقطت الكتب من الرفوف بالخارج. شيء ما أُطلق من قيده.
ياسين حاول الفرار، لكن الباب الحديدي أغلق خلفه. لم يبقَ سوى المرآة.
نهاية الفصل:
اقترب منها مجددًا، فوجد يده تمتد داخلها... سحبته إلى عالم آخر، حيث غرناطة تحترق، وتبكي نساؤها خلف النوافذ المغلقة.

الفصل السادس: نهاية البداية

وجد نفسه في سنة 1492. أصوات صرخات النساء، رنين السيوف، ونيران الحقد تملأ المدينة. لكنه لم يكن مجرد مشاهد... كان يرتدي لباس جندي أندلسي.
أمينة كانت هناك، تنظر إليه بعينيها اللوزيتين الحزينتين. “أنت الأمل الأخير. يجب أن تكتب النهاية التي لم نستطع كتابتها.”
فهم أنه عاد ليسجّل الحقيقة، لا ليرويها فقط... بل ليُحيي من ماتوا ظلمًا، بالحبر والدم.

نهاية القصة:

في عالمنا، عثر رجل على دفتر ملاحظات ياسين بجوار المرآة المكسورة... كانت آخر صفحة تقول:
“غرناطة لم تسقط. غرناطة تنتظر.”
أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات