حكايات من مدينة مراكش

 حكايات من مدينة مراكش

 

حكايات من مدينة مراكش
 حكايات من مدينة مراكش

🧱 الفصل الأول: ظل في الزقاق الأحمر

🌆 المكان: حي القصبة، المدينة القديمة – مراكش

🧭 مقدمة الفصل:

في قلب مراكش المدينة القديمة، حيث تختلط الروائح العتيقة برنين النحّاسين، وألوان الزليج تتراقص تحت شمس الجنوب، وصلت امرأة لا تبحث عن سياحة... بل عن ذاكرة مدفونة.

المشهد الأول: الوصول

كان الغروب يلف مراكش ببطانية من الذهبي الغامق حين نزلت نورا من الطاكسي أمام أحد الأزقة في حي القصبة. الجو دافئ، والريح تحمل عبق القرفة والكمون والكركم من الأسواق المجاورة.

أخرجت هاتفها لتتبع الخريطة، لكن الإنترنت اختفى، وكأن الزمن هنا لا يقبل التكنولوجيا. نظرت إلى الورقة التي طبعتها من قبل:

"زنقة سيدي ميمون، رياض دار الغزالة."

دخلت الزقاق بخطى مترددة. الأزقة هنا ضيقة كأنها تصمم على أن تتعرف على كل من يمرّ منها عن قرب. الأطفال يلعبون الكرة أمام البيوت، نساء يرششن الماء أمام العتبات، والرجال يجلسون على كراسٍ صغيرة أمام أبواب المحلات يرمقون الغريبة بعينين مليئتين بالفضول، دون عدوانية، فقط بدهشة مراكشية معتادة.

نورا (لنفسها):
"
كيف لمدينة أن تكون قديمة... وجديدة في الآن ذاته؟"

 المشهد الثاني: باب دار الغزالة

وصلت إلى باب خشبي ضخم محفور عليه زليج أخضر وكتابات قرآنية، يعلوه هلال نحاسي. طرقت الباب، ففتحت لها امرأة سبعينية قصيرة القامة ترتدي "لحافًا مراكشيًا" تقليديًا، ووجهها يحمل ملامح الزمن بتجاعيد مثل خرائط.

لالة مليكة:
"
آه، جَيتِي أخيرًا... فاطمة كانت كتقول دايمًا بنتها أو حفيدتها غادي ترجع."

نورا (بتعجب):
"
جدتي؟! كيف تعرفينها؟"

لالة مليكة (بهدوء):
"
حنا مراكش... ما كنساوش، غير كنخليو الوقت يجاوب."

دخلت نورا إلى الرياض، وكان كل شيء كما وصفته لها جدتها ذات يوم:

  • نافورة في وسط الفناء
  • جدران من الجصّ والزليج الأزرق
  • أعمدة مرمرية مستديرة
  • وشجرة نارنج مثمرة
  • وعبق المسك والعنبر

نورا (وهي تتنفس العمق):
"
كأنني رجعت إلى حلم كان ساكنًا في صدري."

🔦 المشهد الثالث: أصداء من الماضي

بعد أن رتّبت أمتعتها في غرفة بالطابق العلوي، نزلت نورا إلى الفناء لتناول الشاي مع لالة مليكة.

لالة مليكة (وهي تصب الشاي):
"
فاطمة كانت كتجي لهنا، كتكتب فـ الحديقة، وكانت دايمًا تهمس: مراكش كتخبي شي حاجة..."

نورا:
"
لم تقل لنا شيئًا في البيت... توفيت وأنا صغيرة."

لالة مليكة (بغموض):
"
الناس ما كيموتوش فـ مراكش... كيتخبّاو فـ الدفاتر."

جملة غريبة علقت في ذهن نورا، وبدت أكثر غرابة عندما وجدت في غرفتها دفترًا جلديًا مهترئًا، موضوعًا بعناية فوق الطاولة.

فتحت الدفتر، لتكتشف أول صفحة مكتوبة بخط جدتها:

"إلى من تجد هذا الدفتر بعدي... اعلمي أن الحكاية لم تبدأ بعد، بل كانت تتوارى خلف الزليج الأحمر، حيث سقطت الذاكرة الأولى."

👁️ المشهد الرابع: المدينة تنظر إليك

في اليوم التالي، خرجت نورا لاستكشاف الحي. مرّت من أمام:

  • قصر البديع، أطلاله تهمس بالمجد والخيانات.
  • ضريح السعديين، الصمت فيه أكثر فصاحة من كل المرشدين.
  • زنقة الباهية، حيث القصور تخبئ أسرار الجواري والملوك.

لكن في كل مكان، شعرت أن هناك عيونًا تراقبها. لا عيون الناس، بل عيون المدينة نفسها. كأن مراكش لا ترحب فقط بالزائر، بل تختبره.

بائع سجاد مسن (يبتسم):
"
ملي تدخل لمراكش... خصك تْرضيها باش تبقى."

نورا (ضاحكة):
"
وكيف نُرضي مدينة؟"

البائع (بغموض):
"
بالإصغاء... مراكش ما كتتكلمش، كتهمس."

🧿 خاتمة الفصل الأول:

في تلك الليلة، عادت نورا إلى رياض "دار الغزالة"، وفتحت الدفتر من جديد. الصفحة التالية كانت بيضاء... لكنها بدأت تظهر فيها حروف تدريجيًا، كأن الحبر يُكتَب من الذاكرة مباشرة.

"عندما يسقط الليل على القصبة، ويهمس الزقاق الأحمر، يبدأ كل شيء."

ومع نهاية الصفحة، بدأ شيء في داخلها يتغيّر.
كانت تبحث عن جذورها... لكنها بدأت تكتشف أن الجذور تبحث عنها أيضًا.

 

🌙 الفصل الثاني: الأصوات التي لا تنام

🏡 المكان: رياض دار الغزالة، حي القصبة – المدينة القديمة مراكش

🌌 مقدمة الفصل:

في مراكش، حين يسدل الليل عباءته السوداء، لا تُطفأ الأرواح. الأصوات لا تنام، بل تتنفس من الشقوق، وتهمس في أذن من يملك الجرأة ليُصغي.
في رياض "دار الغزالة"، حيث تنبض الجدران بذكريات من رحلوا، بدأت نورا تدرك أن الليل في مراكش لا يُشبه أي ليل آخر.

المشهد الأول: الساعة الثانية بعد منتصف الليل

استيقظت نورا على صوت يشبه الهمس... خافت، لكنه واضح. لم تكن خيالات، ولم يكن حلمًا. الصوت كان يأتي من الجدار الذي يفصل بين غرفتها والفناء.

نهضت من السرير ببطء، بخطوات حافية على البلاط البارد. فتحت النافذة الداخلية المطلة على وسط الرياض، ووقفت تراقب الظلال.

الفناء غارق في صمت مخيف، لكن النافورة كانت تنبض بالماء، كما لو كانت تتنفس.

وعلى الطاولة النحاسية التي كانت خالية قبل نومها... ظهر مجددًا الدفتر الجلدي القديم.

📖 المشهد الثاني: كلمات تُكتب من تلقاء نفسها

تقدّمت نورا بتردد، وجلست أمام الدفتر. فتحته، ووجدت صفحة جديدة كُتبت حديثًا. لم يكن خط جدتها هذه المرة، بل خطّ مائل، متوتر، كأن صاحبه كان يكتب تحت ضغط:

"في الليالي المقمرة، يفتح الباب الثالث من دار الغزالة. لا تفتحيه قبل أن تفهمي من الذي أغلقه أولاً..."

نورا أغلقت الدفتر بسرعة، قلبها ينبض كطبول ساحة جامع الفنا. سمعت صوت خشخشة قادم من الطابق السفلي، كأن بابًا قد فُتح وأُغلق بهدوء.

ارتدت عباءتها ونزلت الدرج. في الزاوية المقابلة للمطبخ، كان هناك باب صغير في الجدار، لم تلحظه من قبل، نصفه مغطّى بستارة حريرية.

اقتربت منه بحذر، مدت يدها لفتحه، لكن...

لالة مليكة (من خلفها فجأة):
"
ما تفتحيهش دابا... مازال الوقت ما جا."

نورا التفتت مرعوبة.

نورا (بتردد):
"
من الذي يكتب في الدفتر؟ من يهمس ليلاً؟"

لالة مليكة (ببرود حاد):
"
اللي كيتكلّم فـ الليل... راه داير ليه سبب."

🕯️ المشهد الثالث: حكاية من الذاكرة

في صباح اليوم التالي، جلست نورا مع لالة مليكة تشرب الشاي في الفناء، بعد ليلة لم تذق فيها النوم.

نورا:
"
أريد الحقيقة. جدتي كانت تكتب شيئًا... وأنا وجدت صفحات جديدة تُكتب الآن. ما سر هذا الرياض؟"

لالة مليكة وضعت كأس الشاي جانبًا، ونظرت إلى السماء الملبدة بغيوم خفيفة.

لالة مليكة:
"
فاطمة، جدتك، كانت كتسمع الأصوات بحال كيف ما نتي كتسمعيها دابا. الرياض فيه سرّ كبير. كان ملك لشخص اسمه سيدي المفضل، شاعر صوفي، كان كيعالج الناس بالكتابة..."

نورا:
"
هل تقولين إنه كان... معالجًا روحانيًا؟"

لالة مليكة:
"
كان كيعالج بالأحرف. وكان كيكتب فـ الليل، ويخلي دفاتر تتكمّل وحدها."

🪶 المشهد الرابع: المكتبة المخبأة

بتوجيه من لالة مليكة، دخلت نورا مساءً إلى غرفة جانبية تُفتح بمفتاح صدئ احتفظت به العجوز في عباءتها منذ سنين. الباب يؤدّي إلى مكتبة صغيرة، معبأة بدفاتر، وأوراق، وبعض التعاويذ الغريبة المكتوبة بالحبر الأسود.

على أحد الرفوف، وجدت دفترًا يحمل تاريخ 1972، نفس السنة التي كُتب فيها دفتر جدتها.

قلبت صفحاته، لتجد:

"زارتني اليوم فاطمة... عيناها ممتلئتان بالأسئلة، وقلبها يحمل جرحًا قديماً... لكن المدينة ستُجيب عنها، حين يصمت الناس."

ثم صفحة أخرى، مكتوبة بعد سنة كاملة:

"فاطمة بدأت تسمعهم أيضاً... الأصوات التي لا تنام. لكنهم أخبروها بسرّ، أخافها أكثر مما حررها..."

🌘 المشهد الخامس: الظل في المرآة

في تلك الليلة، بينما كانت نورا تقرأ بصوت منخفض أحد النصوص من المكتبة، توقفت فجأة.

أمام المرآة العتيقة في الغرفة، رأت انعكاسًا لا يُشبهها تمامًا. كانت هناك امرأة أخرى... عيناها تشبهان عينيها، لكن الشعر أطول، والملامح أكثر حزنًا.

نورا (بهمس):
"
جدتي؟"

المرأة لم تتكلم، لكن انعكاسها رفع يده وأشار إلى الدفتر.

🎭 خاتمة الفصل الثاني:

في صباح اليوم التالي، استيقظت نورا وقد تغيّر شيء فيها. لم تكن خائفة بعد الآن، بل مأخوذة بالشغف والاكتشاف.

كانت الأصوات التي سمعتها لم تكن هلاوس، بل أبوابًا فُتحت على مصراعيها نحو حكاية لم تُروَ بالكامل.

نورا (في دفترها):
"
مراكش مدينة تتكلم، فقط لمن يُحسن الإصغاء. وأنا الآن... أسمعها."

 

📜 الفصل الثالث: سرّ الحرف الأخير

🕌 المكان: المدينة القديمة – مراكش

🔍 مقدمة الفصل:

كل حكاية تُروى تنتهي بنقطة... لكن في مراكش، كل نهاية ما هي إلا بداية تُكتب بحرف مفقود.
في هذا الفصل، ستبدأ نورا بربط الخيوط، لكنها سرعان ما تكتشف أن ما ظنته قصة عائلية، هو في الحقيقة جزء من أسطورة دفينة في قلب المدينة.

🔐 المشهد الأول: الحرف الناقص

في ليلة هادئة، جلست نورا في غرفة المكتبة داخل "دار الغزالة"، تراجع الدفاتر القديمة التي وجدت عليها رموزًا غريبة تكررت أكثر من مرة. كانت تشبه الحروف العربية، لكن بطريقة مشوشة، مائلة، مشوهة، وكأنها تعمدت الاختفاء خلف تمائم مرسومة بعناية.

نورا (تفكر):
"
ماذا لو كانت هذه الرموز أكثر من مجرد زينة؟ ماذا لو كانت مفتاحًا؟"

أحضرت دفتراً صغيراً، بدأت ترسم الرموز وتكرارها، تقارن بينها وبين حروف الأبجدية العربية.

فجأة... ظهر تكرار غريب لحرف واحد.

الحرف "ﻭ"، لكنّه لم يكن عاديًا، بل مشطوب بخطين صغيرين، وكُتب بجانبه كلمة:
"
الواصل."

🕯️ المشهد الثاني: زيارة إلى جامع الفنا

في اليوم التالي، خرجت نورا نحو ساحة جامع الفنا، بعد أن أخبرتها لالة مليكة أن أحد "الحكواتيين القدماء" ما زال يقصّ قصصًا غريبة قد تحمل رموزًا تشبه ما في الدفتر.

وصلت الساحة قبيل المغرب، حيث بدأت الأضواء البرتقالية تتسلل، وتحولت الساحة إلى مسرح مفتوح للقصص، الأفاعي، والمشعوذين.

وسط الجمع، وجدت رجلًا مسنًا يرتدي جلبابًا بنيًا وعمامة، وحوله دائرة من الأطفال والفضوليين.

الحكواتي (بصوت رخيم):
"
في مراكش، كانت هناك رياض تخفي وراء جدرانها حرفًا ضائعًا... حرف إذا نُطق، انكشفت الذاكرة، وإذا كُتب، استيقظ التاريخ."

تجمّدت نورا في مكانها.

نورا (تصيح):
"
ماذا تقصد بالحرف؟ أين الرياض؟"

توقّف الرجل عن الحديث، اقترب منها وقال بصوت خافت:

الحكواتي:
"
الحرف هو "الواصل"... لا يُكتب، بل يُستشعر. وإن كنت تبحثين عنه، فعودي إلى المكان الذي لا يُغلق بباب... بل بذكرى."

🌒 المشهد الثالث: العودة إلى الزقاق الأحمر

تسللت نورا إلى الزقاق خلف "دار الغزالة"، حيث تقع تلك الغرفة ذات الباب المخفي الذي لم يُفتح بعد.

وبينما كانت تدور قرب الجدار، لاحظت فجأة أن جزءًا من الزليج بدا مختلفًا: أزرق قاتم بين الأحمر الداكن.

لمسته...

فانفتح جزء من الجدار ببطء، يكشف عن غرفة مظلمة... مضيئة بوهج غير مرئي.

دخلت، فوجدت وسط الغرفة مرآة كبيرة، وحولها أربع كلمات منحوتة في الجدار:

"السر"، "الظل"، "الصمت"، "الحرف"

وفي الأسفل، وُجدت عبارة بلغة غريبة... لكن عقل نورا قرأها كما لو كانت تعرفها منذ الطفولة:

"من لم يخَف، يسمع... ومن سمع، يرى... ومن رأى، يكتب."

🔮 المشهد الرابع: الحرف يظهر

اقتربت من المرآة، نظرت إلى انعكاسها... لكنها رأت جدتها فاطمة تقف خلفها، هذه المرة واضحة، صامتة، تبكي.

نورا (بدموع حائرة):
"
جدتي... ماذا تريدين مني؟"

فاطمة أشارت إلى الأرض، حيث ظهر على التراب الحرف "ﻭ" – الواصل، لكنّه يتوهج بالضوء.

وعندما همّت نورا بلمسه، سمعَت صوتًا عميقًا، مزيجًا بين بشر وحجر:

"انتهى زمن النسيان. من حمل الحرف، حمل الذاكرة."

فجأة، اختفت المرآة، وغمر الغرفة ضوء أبيض... قبل أن تعود كما كانت.

🧬 خاتمة الفصل الثالث:

خرجت نورا من الغرفة وهي تحمل في يدها شيئًا جديدًا: حلقة نحاسية منقوشة بحرف "الواصل". لم تعد فقط باحثة عن أصلها، بل أصبحت جزءًا من سلسلة نساء اختارتهن المدينة لتحمل سرّها.

نورا (في دفترها):
"
السرّ لم يكن في الدفتر... بل فيمن يستطيع قراءته بعين القلب
."

أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات