قصص قصيرة عن الحيوانات: عودة القط الأسود

 قصص قصيرة عن الحيوانات: عودة القط الأسود

قصص قصيرة عن الحيوانات: عودة القط الأسود
قصصي بالعربي

الفصل الأول: الليل الذي عاد فيه

لم يكن الليل هادئًا في تلك القرية الصغيرة المحاطة بالغابة، بل كان يحمل رائحة غريبة، مزيجًا بين دخان الحطب والعفن المنبعث من الأشجار الميتة. جلست سلمى على عتبة المنزل الخشبي، تنظر إلى الطريق الترابي المظلم، وعيونها تبحث… عن شيء.

كانت تعرف أن شيئًا ما سيحدث تلك الليلة. منذ أيام، والغربان تحوم فوق البيت، وكلاب القرية تعوي دون سبب. لكن أكثر ما أرعبها هو تلك البقعة السوداء التي ظهرت فجأة على باب المنزل، تشبه أثر مخلب… أو ربما أثر حيوان.


سمعت صوت حفيف بين الأعشاب. شدّت عباءتها حول جسدها، وقلبها يدق كطبل. ثم ظهر من الظلال… القط الأسود.

كانت عيناه تلمعان كجمرتين، وشعره كثيف متسخ، يقف بثبات وكأنه سيد المكان. تقدم نحوها ببطء، خطوته كأنها تحمل رسالة. لم يكن قطًا عاديًا، بل كان هوالقط الذي اختفى منذ خمس سنوات، ليلة الحريق المشؤومة.

اختفى فجأة كما ظهر، تاركًا خلفه أثرًا صغيرًا من الوحل على درجات السلم.

ولكن… كيف عاد؟ ولماذا الآن؟

خيم الصمت من جديد، إلا من صوت صرصار الليل. أغلقت سلمى الباب بإحكام، وهي تشعر بأن هذه الليلة لن تمر بسلام.

 

الفصل الثاني: الذكريات التي لا تموت

في صباح اليوم التالي، استيقظت سلمى على صوت طرق متواصل على الباب. فتحت ببطء، لتجد جارتها العجوز، أم هنية، تحمل سلة من الخبز.

"رأيته البارحة، أليس كذلك؟" سألت العجوز بنبرة خافتة.

تجمدت سلمى مكانها. "من؟"

"القط الأسود… إنه عاد."

دخلت العجوز وجلسَت قرب الموقد، نظراتها مزيج بين الخوف والمعرفة. بدأت تحكي لها القصة القديمة… قصة القط الذي كان يرافق جد سلمى، الحاج عمران. قيل إن ذلك القط كان يحرس شيئًا… شيئًا دُفن تحت بيتهم، سرٌّ لا يجب أن يُكشف أبدًا.

"حين احترق بيت جدك، اختفى القط… ومعه السر. لكنه عاد الآن، يعني أن الوقت اقترب."

التفتت سلمى نحو النافذة. نفس العيون كانت هناك، تحدق بها من تحت شجرة التين. تلك العيونتحمل تحذيرًا، أم دعوة؟

انقبض قلبها، لكنها لم تعرف السبب.

وفي أعماقها، بدأت خيوط الخوف تلتف أكثر… ماذا أراد منها القط؟

 

الفصل الثالث: الرسالة المخفية

في الليل، استيقظت سلمى على صوت خدش متواصل عند الباب. حملت مصباحها، واقتربت ببطء. كانت هناك، آثار مخالب مرسومة بوضوح على الخشب، تمتد في خط مائل… كأنها رمز، أو خريطة.

تبعت الخط بيدها حتى وصل إلى الحائط، وهناك، وجدت شقًا صغيرًا في الطوب. بحذر، أدخلت يدها وسحبت شيئًا ملفوفًا بقطعة قماش سوداء. فتحته… كان مفتاحًا صدئًا، ورقعة ورقية مكتوب عليها:
"الغرفة السفلية."

ابتلعت ريقها، وسمعت مجددًا صوت القط خلفها. التفتت، لم يكن هناك شيء. لكن الريح حملت همسة خافتة… كأن أحدهم يناديها باسمها.

في تلك اللحظة، أدركت أن رحلتها قد بدأت. وأن الإجابات… لن تكون سهلة.

لكن، ماذا يوجد في الغرفة السفلية؟ ولماذا كان مفتاحها مخفيًا طوال هذه السنوات؟

 

الفصل الرابع: الغرفة السفلية

نزلت سلمى إلى القبو، تتقدم بخطوات حذرة بين العتمة والرطوبة. كانت الرائحة خانقة، مزيج من العفن والغبار والذكريات القديمة. وجدت بابًا صغيرًا في الجدار الخلفي، نفس الباب الذي لم تلحظه من قبل، وكأن البيت كشف عن سره الآن فقط.

أدخلت المفتاح، وسمعت صوت قفل صدئ يتحرك. فتح الباب بصرير طويل، كأنه صرخة قديمة سُجِنت لسنوات.

في الداخل، وجدت غرفة ضيقة، جدرانها مليئة بالرموز القديمة. في الوسط، كان هناك صندوق خشبي صغير، وعليه نفس الرمز الذي وجَدَته على الباب.

اقتربت ببطء، ولم تكن وحدهاكان القط الأسود جالسًا بجانب الصندوق، ينظر إليها بعينين ساكنتين.

لم تتحرك، لم تتنفس. شعرت أن اللحظة تحمل وزنًا أكبر من قدرتها. وضعت يدها على الصندوق… وفجأة، أصدر القط صوتًا عميقًا، كأنه تحذير أو موافقة.

فتحت الصندوق.

وفي داخله… لم تجد ذهبًا، ولا مجوهرات… بل رسالة. رسالة كتبت بخط جدها: "من يفتح هذا الصندوق… سيتحمل العبء."

 

الفصل الخامس: الحقيقة

جلست سلمى تقرأ الرسالة على ضوء المصباح. كان جدها يحكي فيها عن سر العائلةعن عهد قديم قطعه مع القط الأسود، الذي لم يكن مجرد حيوان، بل روح حارسة، تحرس قطعة أرض العائلة من لعنة قديمة.

أخبرها أنه حين يحين الوقت، ستعود الروح لتختبرها، لتقرر إن كانت تستحق حماية الأرض… أو أن اللعنة ستُطلق من جديد.

رفعت نظرها نحو القط. لم يكن هناك. فقط ظل أسود يمتد نحو الباب، ويختفي في الظلام.

في تلك اللحظة، أدركت أن الاختبار لم ينتهِ… بل بدأ.

ومنذ تلك الليلة، صار يُرى قط أسود يقف كل فجر أمام منزل سلمى… يراقب… ينتظر

 

الخاتمة: عندما يفتح الليل عينيه

لم تعد سلمى الفتاة نفسها بعد تلك الليلة. صار البيت أهدأ، لكن الهدوء يخفي دائمًا ما هو أعمق. تعلمت أن هناك أسرارًا لا يجب أن تُكشف، ولعنات لا يمكن الهروب منها.

وفي كل مساء، حين تسمع خطوات خفيفة على سقف المنزل، تعرف أنه هناكالقط الأسود… الحارس، والمراقب، والرفيق الأبدي.

أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات