قصص قصيرة واقعية: مقهى اللقاء الأخير

قصص قصيرة واقعية: مقهى اللقاء الأخير

قصص قصيرة واقعية: مقهى اللقاء الأخير
قصصي بالعربي


في إحدى زوايا المدينة القديمة، كان هناك مقهى شبه مهجور، اسمه "اللقاء الأخير". لا أحد يعرف لماذا أطلق عليه هذا الاسم، ولا متى فُتح أصلًا. لكن ما عرفه الجميع أن كل من دخله ليلًا… لم يخرج أبدًا.

الفصل الأول: الزيارة الأولى

كانت ليلة ممطرة، حين قرر آدم — شاب في الثلاثين من عمره، مولع بالقصص الغامضة — أن يخوض مغامرة استثنائية. وقف أمام باب المقهى العتيق، تتسلل إليه رائحة الخشب المحترق ممزوجة بعطر دخان غامض. رفع يده مترددًا، ودفع الباب.
صرير الباب كان أشبه بأنين ميت قديم… صوت جعل قلبه يخفق بقوة.
دخل آدم، وهو يحدق في المكان: طاولات خشبية ذات أرجل متآكلة، مقاعد متشققة، وساعة حائط متوقفة عند الثالثة صباحًا. في الزاوية، جلس رجل مسن، يحتسي قهوته بهدوء مخيف.
اقترب آدم، وقال بصوت خافت:
— هل هذا مقهى اللقاء الأخير؟
رفع العجوز عينيه الباهتتين، وابتسم ابتسامة لم ترسمها الشفاه، بل العينان… وقال:
— لم تأتِ لتشرب القهوة فقط، أليس كذلك؟
كان صوت الرجل مزيجًا بين همس ونفَس بارد. شعر آدم بقشعريرة زحفت على عموده الفقري. ومع ذلك جلس.

خاتمة الفصل:

رفع الرجل كأسه، وقال: "كل من جلس هنا، كتب نهايته بيده…" ابتسم آدم بارتباك، لكنه لم يعرف أن ابتسامته ستكون آخر أثرٍ له في هذا العالم.

الفصل الثاني: أسرار المقهى

جلس آدم يتأمل الجدران المغطاة بصور قديمة، كلها بالأبيض والأسود، وكلها تحمل توقيع "اللقاء الأخير". اقترب من واحدة، ليكتشف أن وجوه الصور مألوفة بطريقة مخيفة…
كان أحد الوجوه وجهه هو… لكنه بدا أكبر سنًا، و… أكثر حزنًا.
شعر كأن الهواء في المقهى أثقل. سمع صوت خطوات خلفه، التفت، لم يجد أحدًا. عاد إلى الرجل العجوز، لكنه وجد كرسيه فارغًا… وفنجان قهوته يغلي وحده دون نار.
ارتفعت الساعة فجأة إلى الثالثة والنصف صباحًا، ودق جرسها دقة واحدة… ثم توقف الزمن. شعر آدم أن كل شيء تجمد، حتى نفسه! حاول الصراخ… لكن صوته حُبس في صدره.

خاتمة الفصل:

رنّ جرس المقهى مجددًا… وفي تلك اللحظة، انطفأت جميع الأنوار، ولم يبق سوى ضوء خافت فوق صورة وجهه.

الفصل الثالث: الحقيقة المظلمة

استفاق آدم في غرفة خلفية مظلمة، جدرانها ملطخة بآثار أيدٍ دامية، وبابها موصد بسلسلة حديدية. على الأرض، نقش قديم: "من دخل هنا… لن يخرج إلا بموته أو موت غيره."
جلس يفكر… من يكون ذلك "الغير"؟ هل العجوز؟ هل أحد الزبائن؟ أم شخص قادم؟
صوت خربشة خلف الجدار جعل قلبه يتوقف لحظة.
— من هناك؟!
خرج صوت أنثوي خافت:
— ساعدني… أرجوك، أنا هنا منذ سنوات…
اقترب من الجدار، ليمد يده نحو ثقب صغير. أمسك بها شيء بارد… ثم شدّه بقوة لم يتوقعها! كاد يسقط… لكنه سمع ضحكة رجالية تملأ المكان.

خاتمة الفصل:

انفتح الباب فجأة، وعلى العتبة وقف العجوز، يحمل فنجان قهوة، وقال:
— كل قصة تحتاج إلى ضحية… اخترتُك منذ دخلت.

الفصل الرابع: الاختيار الأخير

أمسك العجوز بسكين صغيرة، ووضعها على الطاولة أمام آدم. قال بابتسامة شريرة:
— إمّا أن تقتل تلك الفتاة خلف الجدار… أو تبقى هنا للأبد.
شعر آدم بانقباض قلبه. عرقه البارد يتصبب. فكر بسرعة: هل هي حقيقية؟ أم مجرد خدعة من هذا المكان اللعين؟ سمع صوت الفتاة مجددًا:
— لا تقتلني… أنا بريئة…
رفع آدم السكين… يده ترتجف… صوت العجوز يهمس في أذنه:
— القرار… الآن…
كل ثانية تمرّ، كانت تزيد ضغط المكان عليه، حتى شعر أن الجدران تنكمش حوله…
في لحظة يأس، غرز السكين في الطاولة، صرخ:
— لن أقتل أحدًا! اقتلني أنت!
ضحك العجوز بصوت عالٍ، وقال:
— أخيرًا… اخترت الطريق الأصعب…
ثم اختفى.

خاتمة الفصل:

أضاءت الأنوار فجأة. وجد آدم نفسه وحيدًا في مقهى مهجور، لا أثر للعجوز، ولا للفتاة، ولا لأي أثر لما حدث… فقط صورة جديدة على الجدار… صورته، بابتسامة حزينة، وتحتها عبارة: "لقاؤك الأخير… كان هنا."

النهاية: مقهى بلا مخرج

خرج آدم من المقهى، أو هكذا ظن… لكنه حين نظر خلفه، لم يجد بابًا، ولا مبنى، ولا شارعًا. فقط… ظلام يمتد بلا نهاية.
سمع صوت العجوز يهمس من بعيد: "اللقاء الأخير… لا ينتهي أبدًا."
وقف آدم وسط العدم، يتساءل: هل كان هذا كله حلمًا؟ أم أن الحقيقة… أكثر رعبًا مما تخيله يومًا؟
هكذا تنتهي هذه القصة الواقعية المرعبة، واحدة من قصص قصيرة واقعية تحبس الأنفاس، وتتركك تتساءل: هل هناك حقًا مكان مثل مقهى اللقاء الأخير؟
أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات