قصص قصيرة عن الخيال العلمي: المجرة المفقودة

قصص قصيرة عن الخيال العلمي: المجرة المفقودة

قصص قصيرة عن الخيال العلمي: المجرة المفقودة
قصصي بالعربي


المشهد الأول: نداء من العدم

مقدمة:

في أقصى أطراف الكون، حيث تنعدم الجاذبية وتغيب النجوم، التقطت مركبة الاستكشاف "أزورا 9" إشارات غريبة قادمة من نقطة مظلمة لا تظهر على أي خريطة كونية.

نص المشهد:

ارتجَّت المقصورة للحظة، مصحوبة بصوت صفير حاد اخترق أذن الملاحة "ليارا"، فوضعت يدها على سماعة الرأس، وهي تقول بقلق:
— "الكابتن، الإشارة تعود مجددًا… إنها تأتي من الفضاء الفارغ عند الحافة الغامضة لمجرة آركتورا."
الكابتن "إيدن راي" التفت ببطء، وعيناه لا تزالان مثبتتين على شاشة الرصد. الكلمات خرجت من فمه ببرود:
— "تلك المنطقة… لم تسجل فيها حياة منذ قرنين. هذا مستحيل."
رائحة الأوزون امتلأت فجأة بالمقصورة، كما لو أن التيار الكهربائي انفجر داخل الأسلاك. الضوء الخافت تحوّل إلى أزرق نبضي، وكأن شيئًا ما يحاول التسلل إلى السفينة.
في الخارج، الفراغ كان هادئًا… صامتًا حد الرعب. لكن داخل أنظمة السفينة، كانت هناك حركة. بيانات تتغير، أكواد تظهر ثم تختفي، وكأن كيانًا غير مرئي يعبث بالعقل الإلكتروني للمركبة.

خاتمة المشهد:

وقبل أن تتمكن ليارا من قول شيء آخر، انطفأت الشاشات دفعة واحدة. وفقط صوت واحد تردَّد في أرجاء المقصورة… همسة إلكترونية مبحوحة:
— "عودوا إلى المجرة… المفقودة."

المشهد الثاني: البوابة السوداء

مقدمة:

في محاولة لفك الشيفرة القادمة من الفراغ، قاد الكابتن طاقمه إلى نقطة اللاعودة… إلى حيث لم يصل أحد قط.

نص المشهد:

الفضاء أمامهم انشق ككفن ممزق، وانكشفت فتحة دائرية ملساء، سوداء كلون الرماد المتجمد، لا تعكس الضوء ولا تمتصه… فقط تتنفس، وكأنها كائن حي.
قال الضابط التقني "هاردن" بصوت خافت:
— "إنها بوابة… أو فتحة دودية. لكنها لا تشبه أي شيء رأيناه من قبل."
الرياح المغناطيسية حول السفينة بدأت تئن، والحرارة في المحرك الرئيسي انخفضت دون تفسير. كل شيء يهمس لهم بعدم الاقتراب. لكن الكابتن راي كان مسحورًا.
تقدَّم نحو اللوحة، وضغط زر التقدم البطيء. السفينة انزلقت نحو البوابة، والصمت السائد أعطى لكل قلب في الطاقم سببًا للخوف… كان الصمت عميقًا، خانقًا، وكأن الزمن توقف.

خاتمة المشهد:

وبمجرد دخولهم البوابة، اختفى كل شيء. الضوء. الوقت. حتى أصوات أنفاسهم لم تعد تُسمع. كانوا… في مكان آخر.

المشهد الثالث: المجرة المفقودة

مقدمة:

العالم الآخر لم يكن كما توقعوه. لم يكن هناك كواكب، ولا نجوم. فقط مدينة معلقة في العدم… تنبض كقلب ميت أُعيد إحياؤه.

نص المشهد:

العين الأولى التي أبصرت ذلك المشهد كانت ليارا. قالت بصوت مرتجف:
— "مدينة؟! لا… هذه ليست من صنع البشر."
المدينة تطفو بلا أساس. أبراجها طويلة ملساء، مبنية من مادة تشبه الزجاج ولكنها تتحرك كما لو كانت سائلة. الأرض لا تُرى، والسماء… مجرد سواد.
الروائح في الداخل كانت غريبة. مزيج من المعدن المحروق والعفن الرطب. الهواء بدا دافئًا، لكنه كان أثقل من المعتاد. كأنهم يتنفسون من صدر ميت.
أقدامهم لامست السطح، فاهتزت الأرض تحتهم. فجأة، جدران المدينة أصدرت ذبذبات صوتية تشبه البكاء… بكاء عقول، لا أجساد.

خاتمة المشهد:

وحين اقتربوا من مركز المدينة، وجدوا مجسمًا يشبه الكرة الأرضية… لكنها مقلوبة، وعليها عبارة منقوشة:
— "هنا سقطت البشرية الأولى."

المشهد الرابع: الطيف الأخير

مقدمة:

بين أطلال المدينة، وجدوا ما لم يكن ينبغي أن يُكتشف… ذاكرة محظورة لكائنات طوت الزمن ثم اختفت.

نص المشهد:

داخل غرفة منحنية الجدران، لا تحوي أبوابًا ولا نوافذ، كانت هناك منصة دائرية. وما إن وقف الكابتن فوقها حتى غُمرت الغرفة بضوء أحمر خافت.
صوت بدأ يُبث في رؤوسهم، لا عبر الأذنين، بل عبر الوعي نفسه.
— "نحن لسنا كائنات… نحن آثار قرارٍ فُرض عليكم."
توالت صور متتابعة: كوكب الأرض في حالة ذوبان، بشر يصرخون، مدن تنهار، ومجرة تُبتلع ببطء. كانت المجرة المفقودة هي المأوى… أو السجن.
ليارا بدأت تصرخ. كانت ترى نفسها هناك، ولكنها في جسد مختلف، زمان مختلف… كما لو أن المدينة تلاعبت بذكرياتها.

خاتمة المشهد:

ووسط الصرخات، قال الصوت مرة أخيرة:
— "لا أحد يخرج. لأن من يدخل… يصبح جزءًا منا."

المشهد الخامس: لا عودة

مقدمة:

القرار الحاسم بات قريبًا. إما النجاة، أو الذوبان داخل الذاكرة الحية للمجرة المفقودة.

نص المشهد:

الكابتن راي قرر تفعيل النواة النووية للمركبة، آملاً أن يفتح بوابة عكسية. لكن ليارا عارضت القرار.
قالت له والدموع في عينيها:
— "نحن لسنا أنفسنا بعد الآن، الكابتن… نحن نُكتب من جديد."
هاردن بدأ يتحلل أمام أعينهم، جسده يتمزق إلى ضوء وذكريات، كل جزء منه يهمس باسم قديم لم يعد ينتمي له.
راي، المتمسك بالعقل، ضغط الزر.
انفجار ضوئي غمر كل شيء.

خاتمة المشهد:

في مكان ما، في مجرة نائية، استيقظ طفل صغير وهو يبكي. كانت عينه تحمل انعكاس مدينة زجاجية، وصوت في رأسه يقول:
— "عدنا."
أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات