قصة واقعية: الدرس الأخير في الفصل

 قصة واقعية: الدرس الأخير في الفصل

 

قصة واقعية: الدرس الأخير في الفصل
 قصة واقعية: الدرس الأخير في الفصل

🎬 الفصل الأول: العودة إلى المدرسة القديمة

🔹 المقدمة:

في قلب قرية "تازغّارت"، الواقعة بين أحضان جبال الأطلس، كانت هناك مدرسة مهجورة تُدعى "مدرسة الأمل"، يروي عنها كبار السن قصصًا غريبة تتقاطع بين الواقع والخيال. المدرسة أُغلقت منذ خمسة عشر عامًا بعد حادثة غامضة في أحد الفصول، تحديدًا "الفصل الرابع". ومنذ ذلك اليوم، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها... حتى جاء يوم عاد فيه "جمال"، المعلم السابق، ليُحيي درسًا أخيرًا... لا يُنسى.

 

🖊️ الوصف والسرد:

عاد جمال إلى القرية بعد غياب طويل. كان وجهه يحمل تجاعيد السنين، وصوته لم يعد بالقوة ذاتها. لكنه احتفظ بعينيه اللامعتين، ذلك البريق الذي لطالما أخاف وألهم طلابه في آن. حمل حقيبته الجلدية القديمة، واتجه نحو المدرسة كأن نداءًا خفيًا يقوده.

الطريق الترابي المؤدي إلى المدرسة كان مهجورًا، محاطًا بالأشجار الكثيفة، والضباب يُخفي معالم المكان. كل خطوة كانت تُصدر صدى، كأن الأرض تهمس بسرٍ دفين.

وصل إلى البوابة الحديدية. دفعها ببطء، فأصدرت صريرًا مزعجًا، أشبه بصراخ حزين. توقف للحظة يتأمل فناء المدرسة، وقد غطّته الأعشاب البرية، والنوافذ المحطّمة تُشبه أعينًا تراقب بصمت.

دخل جمال، وكانت وجهته واضحة: "الفصل الرابع".

💬 الحوار:

  • همس جمال لنفسه: لا يمكن للذكرى أن تظل تطاردني... يجب أن أُنهي الأمر هنا، الآن.

صدى صوته تردد بين الجدران المتشققة. فتح باب الفصل الرابع ببطء، وكان الغبار يملأ الهواء. الكراسي الخشبية مقلوبة، والسبورة لا تزال تحمل آثار طبشور قديم، كُتب عليه بلون شاحب: "لا تخرجوا قبل انتهاء الدرس."

تجمد جمال في مكانه. كيف لا تزال الجملة موجودة؟ لقد كتبها بنفسه منذ خمسة عشر عامًا... في الدرس الأخير.

😱 الخاتمة:

جلس جمال خلف المكتب القديم، ووضع حقيبته أمامه. أخرج منها دفتر الحضور، وبدأ ينادي الأسماء... واحدًا تلو الآخر.

"سارة... أمين... عبد الله... ليلى..."
لكن الغريب أن كلما نادى اسمًا، سُمِعَ صوت مقعد يتحرك... كأن تلميذًا افتراضيًا يجلس في مكانه...

رفع رأسه فجأة. الكراسي كانت تمتلئ، ببطء... بأشكال ضبابية، وأعين تنظر إليه دون رمش.

 

📚 الفصل الثاني: الوجوه التي لا تُنسى

🔹 المقدمة:

جلس جمال مذهولًا أمام الفصل الذي عاد للحياة. الوجوه التي أمامه لم تكن غريبة... كانت وجوه طلابه الذين اختفوا في ذلك اليوم المشؤوم. لم يكن أحد قد عثر عليهم، ولا على أجسادهم، رغم أن الباب كان مغلقًا من الداخل. لقد تبخروا ببساطة.

والآن... عادوا.

🖊️ وصف المكان والمشاعر:

الهواء داخل الفصل أصبح كثيفًا، يشبه ضبابًا ثقيلًا يخترق الرئتين. جمال شعر بضيق، وكأن شيئًا ما يحاصره من الداخل. ضربات قلبه تسارعت، يده ارتجفت فوق الدفتر، لكنه حاول الحفاظ على رباطة جأشه.

رفع نظره مرة أخرى، فرأى "سارة"، الطالبة المتفوقة، جالسة بنفس طريقتها القديمة، تبتسم ابتسامة حزينة.

لكن كانت هناك مشكلة...

أعينهم لا ترمش. لا تتحرك.

كأنهم دُمى... أو أسوأ من ذلك.

💬 الحوار:

  • "سارة؟ أنتِ... أنتم؟ كيف...؟"
  • صوتٌ غير واضح، أشبه بالهمس، يتردد في أرجاء الغرفة: "لم نغادر قط يا أستاذ..."
  • "ماذا تعني؟! لقد فُتح التحقيق، وبحثوا في كل مكان!"
  • صوت آخر من الخلف، عميق وباهت: "أنت من أغلق الباب، يا أستاذ... أنت من بدأ الدرس الأخير."

بدأ جمال يتراجع، والخوف يعتصر قلبه. لم يكن يتخيل أن الماضي سيعود بهذه القوة، وهذه الوحشية. لقد فعل شيئًا... نسيه... أو تظاهر بنسيانه.

🕳️ خاتمة الفصل:

صرخة مفاجئة قطعت الصمت. التفت جمال، فرأى الباب يُغلق من تلقاء نفسه بقوة. السبورة بدأت تكتب نفسها من جديد:

"من لا ينهي الدرس... لا يخرج حيًا."

 

🕰️ الفصل الثالث: سر الفصل المغلق

🔹 المقدمة:

انطلقت عجلة الذاكرة في عقل جمال، تعود به إلى تلك الليلة التي غابت عنها الحقيقة. ليلة الدرس الأخير. ماذا حدث بالضبط؟ هل كان هو السبب؟ هل هناك من استخدمه كأداة لجريمة أكبر مما يتخيل؟

🖊️ الفلاش باك والوصف:

قبل خمسة عشر عامًا، كان جمال شابًا مثاليًا، يؤمن بأن التعليم رسالة مقدسة. لكنّه كان يعيش صراعًا داخليًا... صوته كان يُخبره أحيانًا بأشياء لا تُقال، يُملي عليه تصرفات لا يفهمها.

في ذلك اليوم، دخل الفصل الرابع ليجد رسالة غير موقعة على مكتبه:
"علّمهم كما لم يُعلَّموا من قبل، أو لن يخرجوا أبدًا."

ظنها مزحة. لكنه شعر بانجذاب غريب للرسالة، وكأنه مأمورٌ بتنفيذها.

أغلق الباب. وبدأ في شرح درس لم يكن في المقرر... عن "بوابة العبور"، وعن "العوالم الموازية"، وعن "الروح التي تتغذى على المعرفة الملوثة".

💬 الحوار الداخلي:

  • جمال، مخاطبًا نفسه في الماضي: "لماذا قلت لهم تلك الأمور؟ من أين جئت بتلك الكلمات؟ لم تكن أنا... أليس كذلك؟"
  • صوت داخلي يعود إليه فجأة، ببرودة شيطانية: "أنت كنت اللسان... أنا كنت العقل."

📘 نهاية الفصل الثالث:

عاد جمال إلى واقعه، جالسًا أمام الوجوه الباهتة، وقد تذكّر كل شيء.

لم يكن هو القاتل... لكنه كان الأداة.

ولم ينتهِ الدرس بعد.

 

🧩 الفصل الرابع: الاختيار الأخير

🔹 المقدمة:

حين تُفتح أبواب الذاكرة، لا يعود بالإمكان إغلاقها، خاصةً إن كانت تلك الأبواب تُفضي إلى كوابيس لا تعرف الرحمة.
جمال الآن لم يعد فقط شاهدًا على ما جرى... بل أصبح جزءًا من اللغز نفسه. الفصل الرابع لا يزال يلفظ أسراره، والتلاميذ الذين اختفوا قبل أعوام عادوا... لكن شيئًا ما فيهم تغيّر.

🖊️ الوصف والمكان:

الزمن تجمّد داخل الفصل. الساعات لا تتحرك. النوافذ لا تنفذ منها الشمس، بل ظلال سوداء تهتزّ كأنها أرواح عالقة بين العوالم.
أرضية الفصل بدأت تتشقق، منها ينبعث دخان رماديّ، وصوت همس خافت يتكرّر:

"أكمل الدرس... أكمل الدرس..."

جمال كان يُمسك بالطبشور دون وعي، يداه ترتجفان، لكنه كتب جملة واحدة على السبورة:
"أي معرفة تُعلَّم بالقسر... تُفجِّر الظلال."

فجأة، اهتزت الجدران، والطلاب (أو ما يُشبههم) قاموا في حركة واحدة، بوجوه جامدة، عيونهم تتوهّج بضوء باهت أخضر. اقتربت "سارة" منه، ورفعت دفترًا قديمًا، دفتريه المفقود منذ زمن.

💬 الحوار:

  • سارة: "أستاذ... ما زلت تجهل الحقيقة."
  • جمال، بصوت مبحوح: "أنتم... أنتم لستم طلابي."
  • سارة: "كُنّا طلابك... والآن صرنا المعرفة التي قتلتنا."
  • جمال، غاضبًا: "لم أقصد إيذاء أحد!"
  • صوت آخر، مرتفع، صادر من كل الجهات: "لكنّك فعلت، حين قرأت من الكتاب الملعون... حين فتحت البوابة!"

📚 فلاش باك مفاجئ:

في إحدى ليالي الشتاء، دخل جمال غرفة المدير بعد انتهاء الدوام. هناك وجد كتابًا قديمًا مغطى بالجلد الأسود، دون عنوان.
بداخله، دروس غريبة عن "تغذية الأرواح" و"تحرير الفكر من الجسد"، وملاحظات بخطٍ لا يشبه أي خط بشري.

قرأ منه، بدافع الفضول... وأخطأ.

في اليوم التالي، بدأت التغيّرات تظهر على الطلاب. قلق، اضطراب، ثم اختفاء جماعي في "الفصل الرابع".

🕳️ المشهد المثير:

عاد جمال للحاضر. ضوء خافت ينبثق من وسط الفصل، حيث ظهرت دائرة غريبة من الرموز، تتوهّج.
فجأة، دوّى صوتٌ جهوري:

"أنتَ المُعلم الأخير، ولديك خياران:
1️ أكمل الدرس، وابقَ هنا للأبد.
2️ أو... اختَر من يُكمل بدلاً عنك."

نظر جمال إلى الكراسي التي امتلأت بالأشباح، وبدأت كل روح ترفع يدها، تنتظر الاختيار.

😰 المشاعر والقرار:

تجمّد قلبه. هل يضحّي بنفسه ليُنهي اللعنة؟ أم يُضحّي بروح بريئة جديدة؟
الدموع انهمرت من عينيه. لأول مرة شعر أن "التعليم"، حين يُستخدم كأداة للقوة، يمكن أن يصبح أداة هلاك.

أخذ نفسًا عميقًا، وتقدّم إلى منتصف الفصل، ثم قال بصوت مرتجف:

  • "سأكمل الدرس... لكنني سأعيدكم أولًا."

🔥 النهاية الدرامية:

فتح جمال الكتاب الأسود مرة أخرى. وبدأ يتلو بصوتٍ هادر:
"يا من تاه في درب العلم، عُد إلى الأصل... حرر الأرواح من الظلال، وارحل!"

انفجر نورٌ أبيض غمر الغرفة، وسُمِعت صرخات، كأن السماء نفسها تُشاهد ما يحدث.
الطلاب تبخروا واحدًا تلو الآخر، بابتسامة أخيرة على وجوههم، كأنهم غُفر لهم.

انطفأ النور... وسقط جمال أرضًا.

 

الفصل الخامس: الفصل الذي لن يُفتح مجددًا

🔹 المقدمة:

في صباح اليوم التالي، وجد بعض القرويين باب المدرسة مفتوحًا لأول مرة منذ سنين. دخلوا مترددين... فوجدوا "الفصل الرابع" فارغًا.

لكن على السبورة، كُتب بخطٍ واضح:

"لا تُعلِّم ما لا تفهم... ولا تفتح كتابًا لا عنوان له."

🖊️ المشهد الأخير:

جمال لم يُعثر عليه أبدًا. لكن في كل سنة، في نفس اليوم، يظهر نور خافت من نافذة الفصل الرابع.
وحين اقترب أحد الأطفال ذات مرة، سمع صوتًا هامسًا يقول:

"افتح الكتاب... لنبدأ الدرس."

🧠 خاتمة القصة:

الدرس الأخير في الفصل لم يكن مجرد درس أكاديمي... بل كان اختبارًا روحيًا، حقيقيًا، مخيفًا، عن حدود المعرفة، وعن الغرور البشري حين يعتقد أنه قادر على كل شيء.

🕯️ لا يزال ذلك الفصل قائمًا... لكن لا أحد يجرؤ على طرق بابه.

أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات