الستار
الأسود: قصة رعب وغموض تقشعر لها الأبدان عن لعنة لا تنام
🕯️ الفصل
الأول: القرية التي اختنق فيها الضوء
في
زاوية نائية من الخريطة، حيث الطرق تتعرج وتضيع، تقبع قرية “الغَرَيب” كأنها مجمدة في زمن غير مسموح له بالمرور. قرية
لا تذكرها الخرائط الحديثة، ولا يعرف عنها أحد سوى أولئك الذين فقدوا شيئًا
ثمينًا... أو أولئك الذين لم يعودوا قط.  |
الستار الأسود: قصة رعب وغموض تقشعر لها الأبدان عن لعنة لا تنام |
هناك، تحت قمر
خجول وسماء خانقة، يبدأ أول خيط في حكاية الستار الأسود... الحكاية
التي لو علمت نهايتها، لما بدأت قراءتها أبدًا.
الهدوء
الذي يسبق الظلام
كانت
“الغريب” تبدو من بعيد كمشهد مرسوم بقلم فحم: أكواخ خشبية مائلة، أراضٍ رمادية كأن
الحياة جُرفت منها، وأشجار عارية حتى في الربيع.
صمتٌ مطبق يلف
المكان، لا كلاب تنبح، لا ديك يصيح، فقط رياح متقطعة تحمل رائحة تراب قديم وماء
راكد.
اقتربت
سيارة الدفع الرباعي، متهادية كأنها لا تجرؤ على اقتحام هذا السكون. كان داخلها
الدكتور "سليم" الباحث في الأنثروبولوجيا، الذي قرر أن ينقب في تاريخ
قرية لا يجرؤ المؤرخون على ذكرها، مدفوعًا بوثيقة مسروقة وعقل لا يؤمن إلا بالعلم.
لكنه نسي أن بعض الأساطير لا تُكذب... بل تُتجنب.
منزل
آل شريف المهجور
في قلب
القرية، وقف منزل آل شريف كجثة لا تريد أن تُدفن. النوافذ مكسورة، الأبواب مخلعة،
والجدران تتنفس عفنًا أسود داكنًا كأنه يغلي تحت الطلاء المقشر.
لكن ما جذب
انتباه "سليم" لم يكن الخراب، بل ذلك الستار الأسود المتدلّي في
الطابق العلوي.
كان قماشًا
ثقيلًا، أسود كالليل، لا يتحرك حتى مع الرياح. بدا كما لو كان يحبس شيئًا خلفه...
شيئًا يُراقب.
"منذ متى يعيش أحد في هذا البيت؟"، سأل سليم
عجوزًا كانت تبيع الأعشاب المجففة على الطريق.
أجابته
دون أن تنظر:
"منذ أن قررت الظلال أن تبقى".
أول
ليلة دون قمر
في تلك
الليلة، غابت السماء خلف غيوم كثيفة، وكأن القمر اختفى خوفًا من القرية.
جلس سليم في
كوخ صغير وفره له شيخ القرية، يتأمل أوراقه القديمة ويعيد قراءة العبارات المطموسة:
"من يزيح الستار، يُستبدل وجهه بالعدم".
"الستار الأسود
ليس قماشًا، بل بابًا".
بدأت
الأصوات في منتصف الليل:
خطى حافية على
التراب، صوت جرٍّ لكائن ثقيل، همس بلغة لا يعرفها.
تحسس
سليم مسجل الصوت، وراح يسجّل رغم الرعب الذي بدأ يزحف على عنقه:
"إنه لا صوت رياح... إنه تنفّس. أحدهم... أو شيء
ما... يتنفّس خلف الجدران".
صرخة
من خلف الستار
في
صباح اليوم التالي، تسلل سليم إلى منزل آل شريف.
مرتجفًا، صعد
الدرج المتآكل نحو الطابق العلوي حيث يقبع الستار الأسود. كانت
الغرفة باردة كأنها ثلاجة موتى، رائحة الحديد والدم القديم تسكن الهواء.
مدّ يده ببطء،
أمسك حافة الستار...
صرخة حادة اخترقت سكون الصباح، صرخة
أنثى، لكنها ليست بشرية.
سقط
سليم على الأرض، مذهولًا. الستار لم يتحرك. لكن هناك شيء خلفه تحرّك.
اكتشاف
الستار الأسود في العلية
في
العلية، وجد سليم شيئًا أكثر رعبًا: مرآة مغطاة بالقماش الأسود ذاته، محاطة بدوائر من الرماد والملح.
وفي وسط الأرض،
حُفرت عبارة بلغة قديمة:
"لا تنظر... لا تعكس".
مدفوعًا
برغبته في الفهم، كشف القماش. وفي اللحظة التي ظهرت فيها صورته، لم يرَ نفسه، بل
ظلًا يشبهه... بابتسامة لا تعود له.
وسمع
صوتًا داخله يقول:
"أنت الآن في الجانب الآخر... الستار أغلق خلفك."
عاد
الضوء إلى القرية، لكن عيون سكانها لم تعد ترمش، كأنهم جميعًا ينتظرون شيئًا ما.
أما الدكتور
سليم، فلم يخرج من المنزل.
لكنهم كل ليلة
يرون ظله خلف نافذة العلية... واقفًا بلا حراك، يحدّق عبر الستار الأسود نحو
القرية... ونحو من يجرؤ على القدوم.
🕯️ الفصل
الثاني: اللعنة القديمة
في
القصص القديمة، تكون اللعنة مجرد كلمات محفوفة بالأساطير. لكن في قرية
"الغريب"، اللعنات حقيقية، مادية، تتنفس وتنتقل وتُورَّث كأي مرض.
لم تكن مصادفة
أن يُرسل الدكتور "سليم" وحده إلى منزل آل شريف، ولا أن يجد ذلك الستار
الأسود معلَّقًا كأن أحدًا ينتظر أن يُكشف.
في هذا الفصل،
تبدأ الخيوط بالتشابك، والحقائق القديمة تنبش من قبورها، بينما الظل يزداد ثقلًا،
والصوت... أقرب.
📜 مذكرات امرأة احترقت
داخل
غرفة مغلقة في الطابق السفلي من المنزل، عثر رجال القرية على دفتر قديم، جلد
الغلاف مُتفحّم، والأوراق مشبعة برائحة الرماد والعفن.
كان بخط أنثوي
مرتجف، كتب عليه: "زينب شريف – 1893".
“كلما حاولت أن أنام، أراه يفتح الستار... وجهه لم
يعد وجهه، بل قناع من ظلال. ابني... لم يعد ابني. كل يوم يدخل الغرفة ذاتها، وكل
يوم... يعود أقل إنسانية.”
المذكرات
لم تذكر كيف ماتت "زينب"، لكن الصفحة الأخيرة احترقت بشكل غريب، وكأن
أحدهم مسح النهاية عمدًا.
🧒 قصة الطفلة التي اختفت
في
المجلس القروي، جلس "الشيخ العابد" يتحدث بصوت متقطع، كأنه ينتزع
الكلمات من حلقه.
“في عام 1961، اختفت طفلة تُدعى نرجس. آخر مرة
شوهدت فيها كانت تلعب قرب منزل آل شريف.
عندما دخل
أهلها يبحثون عنها، وجدوا آثار أقدام صغيرة تقود إلى العلية، لكنها... لم تخرج
منها قط.
وفي الليلة
التالية، ظهر ظلها على الستار، وظل هناك... يتحرك وحده.”
سأله
أحد الرجال:
"لكن... إن كان الستار ملعونًا، لماذا لم يُحرقوه؟"
رد
الشيخ، وعيناه ترتجفان:
"لأن من يحاول، يُصبح جزءًا منه".
👁️ العين الثالثة للعجوز فاطمة
في أحد
زوايا القرية، تعيش "فاطمة العرّافة"، ضريرة منذ ولادتها، لكن عيناها لا
تشبهان عيون العميان. بل كأنها ترى أكثر مما يجب.
استقبلت
الدكتور سليم في كوخها الضيق، حيث الهواء ثقيل برائحة البخور المحروق والماء
الفاتر.
"رأيت الستار، أليس كذلك؟"، قالت له وهي تمسح
بيدها على جبينه دون أن تراه.
سليم
لم يُجب.
"أنت الآن لست وحدك. شيء ما خرج من ورائك عندما
دخلت. وأنت لا تراه، لكنه... يراك جيدًا."
اقتربت
منه وهمست:
"في الليلة القادمة، ستبدأ في الحلم... لكنك لن
تستيقظ بسهولة."
🧿 المسبحة المكسورة والرمز المفقود
خارج
منزل آل شريف، وتحديدًا تحت الشجرة اليابسة، وجد "سليم" مسبحة حجرية
غريبة. خرزاتها سوداء، ثقيلة، وكل حبة منها محفورة بعين صغيرة مفتوحة.
بين الحصى، كان
هناك رمز محفور على صخرة: 🔻 مثلث مقلوب بداخله عين مغلقة.
عندما
عرض الرمز على فاطمة، تغير لون وجهها للمرة الأولى.
"هذا هو ختم العُتمة. وُضع على المنزل ليُبقي ما
بداخله... محبوسًا.
لكنك فتحت
الستار، يا أحمق."
🕯️ سر الوثيقة المحجوبة في المسجد
القديم
في
مئذنة المسجد المهجور، كان هناك سرداب مغلق بالطوب. وبعد جهد جهيد، وجد
"سليم" داخله صندوقًا من الخشب المصقول، يحتوي على وثيقة عمرها أكثر
من قرن.
مكتوبة
باللغة العربية القديمة، وكان نصها:
“من يُعلّق الستار الأسود، يعزل العالم عن الكارثة.
من يُزِله،
يُطلق سراح من لا يجب أن يوجد.
احذروا
المرآة... فهي عينهم إلى عالمكم.”
وقع
الوثيقة: الشيخ عبد الجليل الغريب، عام 1820.
في تلك
الليلة، سمع أهل القرية جميعًا الصوت ذاته:
حفيف قماش ثقيل
يُسحب ببطء... ثم يُغلق فجأة.
كأن شيئًا ما
قد غادر المنزل، وتجول بين الأزقة، يختار وجهًا جديدًا... ليحمله.
وفي
الكوخ، استيقظ سليم مفزوعًا. على الجدار، كُتبت عبارة بالرماد:
"اللعبة بدأت. والستار... لن يُغلق هذه المرة."
عنوان الفصل: الغرفة
المغلقة رقم 4
ليست
كل الأبواب خُلقت لتُفتح، وليست كل الغرف تحتوي على أسرّة ورفوف وذكريات دافئة.
بعض الغرف مجرد فخاخ، وأخرى نوافذ إلى عوالم لا مكان لها بيننا.
في الطابق
الثاني من منزل آل شريف، كانت هناك غرفة لم يُذكر عنها شيء في المذكرات، ولا في
شهادات القرويين. بابها لا يحمل اسمًا... بل رقمًا.
الرقم
"4". رقم لا يُفتح بسهولة، ولا يُنسى إذا فُتح. وهنا، تبدأ مرحلة
الانحدار الحقيقية داخل قلب الظلام.
المفتاح
النحاسي:
في جيب
معطف سليم، كان هناك مفتاح لم يعرف كيف وصل إليه. صغير، صدئ، نحاسي بلون الدم
اليابس.
عندما اقترب من
الباب رقم 4، شعر بوخز في جلده، كأن أحدهم يهمس عبر عظامه: "ارجع".
لكنه لم يفعل.
أدخل
المفتاح... وسمع صوت طقطقة بطيئة، أشبه بعظام تتكسر. فتح الباب ببطء، ورائحة
قديمة، كأنها من تحت الأرض، ضربت أنفه. رائحة تراب، لحم، وشيء آخر لا اسم له.
البئر
الذي لا قاع له:
في
منتصف الغرفة، لا يوجد سرير، ولا طاولة، بل... فتحة.
دائرية، مظلمة،
محاطة بخشب محترق ومسامير منزوعة. بدا الأمر كأن الأرض انشقّت هناك منذ قرون.
عندما رمى
حجراً صغيراً داخلها، لم يسمع أي ارتطام.
صدى الصمت كان
مرعبًا أكثر من أي صوت.
اقترب
بخطوات مترددة، ونظر فيها. لم يرَ قاعًا، بل رأى نفسه... واقفًا، لكنه لم يكن وحده.
شخصٌ آخر يقف
خلفه في الانعكاس. ابتعد مذعورًا، لكنه لم يجد أحدًا خلفه.
أصوات
تهمس في الجدران:
مع
انغلاق الباب خلفه، بدأت الجدران تهمس. ليست همسات بشر، بل كأن الغرفة تتنفس،
وتتكلم بلغة قديمة.
أصوات متعددة،
رجالية ونسائية، بعضها يبكي، بعضها يضحك، وأخرى... تُصلّي.
كانت
العبارات تتكرر:
"لا تنزل... لا
تنزل... إنهم ينتظرونك في القاع."
الكرسي
الذي يهتز وحده:
في
الزاوية، وُضع كرسي خشبي قديم، تهالكه الزمن، لكنه كان يتحرك.
لا أحد يجلس
عليه، لكنه يهتز بهدوء كأن شخصًا لا مرئيًا يتنفس عليه.
اقترب سليم
منه، ومد يده ليلمسه، فتوقف فجأة.
وفي
اللحظة التالية، سمع الطفلة.
صوت
"نرجس"... تقول:
"هل تريد أن ترى
أين أخذوني؟"
الحبل
المعلق والسقف الذي ينزف:
نظر
للأعلى.
من السقف، تدلى
حبل قديم، متآكل، وقطرات حمراء سقطت على كتفه.
رفع عينه، فوجد
البقعة تتمدد... تسيل من ثقب صغير في السقف.
لكن
السقف لم يكن مصنوعًا من الخشب فقط. بل كان جلدًا.
جلدًا
بشريًا... يتنفس ببطء، وينزف من الألم.
وفجأة،
ارتجّت الغرفة، وأُغلقت الفتحة في الأرض من تلقاء نفسها، وكأنها تبتلع سرها من
جديد.
خرج
سليم من الغرفة، وهو يتنفس كمن نجا من الغرق.
لكن شيئًا تغير.
شعر بأن نظراته
أصبحت أثقل، وأن الظلال بدأت تتحرك في الزوايا حتى في وضح النهار.
وفي المرآة في
الكوخ... لم يرَ نفسه.
رأى رجلاً
جالسًا على الكرسي المهتز، وخلفه باب يحمل الرقم 4، والستار الأسود يغلق
ببطء خلفه.
الفصل
الرابع: ما
وراء الستار
منذ
اللحظة التي لمس فيها "سليم" الستار الأسود، لم يعد كما كان. لم يكن
التغيير واضحًا في وجهه أو صوته، بل في عينيه... كأنهما تنظران إلى شيء لا وجود له
هنا.
في هذا الفصل،
لا تعود الحكاية مجرد استكشاف لبيت مسكون، بل عبور نحو بُعد آخر.
فمن ما وراء
الستار الأسود... تبدأ الحقيقة في الانكشاف، لكن بثمن.
الباب
المخفي خلف الخزانة:
في
إحدى الليالي، وبينما كان سليم يراجع رموز الوثيقة القديمة، لاحظ أن إحدى الخرائط
تشير إلى "مدخل ثانٍ".
عاد إلى المنزل
المهجور، ودخل غرفة النوم الرئيسية حيث تقف خزانة ضخمة لم تتحرك منذ عقود.
بجهد شديد،
دفعها ليكشف عن باب حجري صغير، محفور عليه المثلث المقلوب ذاته، تتوسطه عين
مغلقة.
فتح
الباب، فانبعثت رائحة كأنها خرجت من قبر مائي. هواء بارد، ثقيل، ومعه همسات
رتيبة... كأن أحدهم يقرأ من كتاب نسيه الزمن.
رحلة
إلى العالم الآخر:
الدرج
المؤدي إلى الأسفل لم يكن طويلًا، لكنه بدا وكأنه لا ينتهي.
كل خطوة كانت
تُطفئ صوتًا من الماضي، وكل نزول كان كمن يخسر جزءًا من ذاكرته.
الجدران مرسومة
بأشكال طفولية... لكن بأيدٍ راشدة.
صور لأشخاص بلا
أعين، نساء يحملن أطفالًا بأفواه لا تُغلق، وستائر سوداء تحيط بالجدران
كأنها جدران أخرى داخل الجدران.
وعندما
وصل سليم إلى القاع، لم يجد غرفة... بل وجد عالمًا لا يشبه أي شيء يعرفه.
أرواح
تتحدث دون صوت:
كان
المكان خاليًا... لكنه حي.
الهواء ينبض،
والجدران تنبض، والظلال تتحرك وكأنها كائنات تشمّ رائحة جسد بشري.
بدأ يرى ملامح
على الجدران، وجوهًا تطل من بين الشقوق، تفتح أفواهها... ولا تصدر صوتًا.
لكنه سمعها في
عقله.
"أنت الذي فتحت الباب... أنت الذي جئت
إلينا... أنت البدل."
الكائن
ذو العيون المنطفئة:
في وسط
الغرفة، كان هناك كائن واقف.
طويل، جلده
رمادي كالجص، وملامحه غائبة. لكن عينيه... مفتوحتان بلا نور.
كان ينظر إليه،
لا يتحرك، لكن كل شيء في الغرفة يتحرك نحوه.
همس
بصوت لم يصدر من فمه:
"كل من رأى ما
وراء الستار الأسود... عليه أن يختار."
ردّ
سليم، وقد بدأ يشعر أن صوته لا يخرج من حنجرته بل من مكان أبعد:
"أختار العودة."
ردّ
الكائن:
"إذًا، ستترك
شيئًا خلفك."
لقاء
مع صاحب الستار:
أشار
الكائن إلى مرآة مغطاة. حين كشف سليم الستار عنها، رأى انعكاسًا... ليس له.
كان هناك رجل
آخر، يشبهه تمامًا، واقف خلفه، يبتسم.
لكن
المرآة لم تعكس الواقع... بل كانت بابًا.
امتدّت
يد من داخلها، وأمسكت بكتف سليم.
وسمع الصوت
ذاته يقول له:
"أنت خرجت... والآخر سيدخل."
استفاق
سليم خارج المنزل، في العراء، على صوت المؤذن من المسجد القديم.
كل شيء بدا كما
تركه... لكنه شعر بفراغ غريب داخله.
لم يكن يتذكر
تمامًا ما حدث داخل الغرفة.
لكن في
تلك الليلة، نظر أحد الأطفال من نافذة بيته، فرأى ظل رجل يقف داخل غرفة سليم، أمام
المرآة... لكنه لم يكن هو.
والستار
الأسود، على غير العادة... كان مفتوحًا، ويرفرف بهدوء... كأن من خلفه يستعد للخروج.
الفصل
الخامس والأخير: انكشاف
الحقيقة... بثمن
كل
طريق في هذه القصة قاد إلى لحظة واحدة: أن يرى "سليم" بعينيه حقيقة
الستار الأسود.
لكن كما في
الأساطير، الرؤية ليست هبة... بل اختبار، وقد تكون النهاية.
القرية صامتة،
السماء ساكنة، وكل شيء يبدو طبيعيًا... أكثر من اللازم.
وهنا، حين يظن
الإنسان أنه نجا، يُدرك أنه كان داخل المصيدة طوال الوقت.
موت
بالنيابة:
استفاق
"سليم" في كوخه وقد عاد كل شيء إلى طبيعته. لا أصوات، لا ظلال، لا مرآة.
ظن لوهلة أن كل
ما حدث كان وهمًا، أو لعله فقد عقله خلال بحثه.
لكن
حين خرج من الكوخ، رأى شيئًا لم يتوقعه.
في
ساحة القرية، اجتمع الناس حول جثة مجهولة، محترقة الوجه، مشوهة، لا يمكن التعرف
عليها.
لكن في جيب
الجثة، كان هناك دفتر "سليم"، ومفتاح الغرفة رقم 4.
همس
أحدهم خلفه:
"واحد خرج...
والآخر... بقي في الداخل."
الحريق
الذي أعاد كل شيء:
في تلك
الليلة، اشتعلت النيران في منزل آل شريف. لم يعلم أحد كيف بدأ الحريق، لكنه كان
كثيفًا وسريعًا، وكأن المنزل نفسه أراد أن يحترق.
وقف
"سليم" يشاهد، بينما لهيب أحمر يبتلع الجدران، والستائر السوداء تذوب
كأنها تصرخ.
لكن أكثر ما
شدّ نظره، هو المرآة.
ظلت واقفة، لم
تنكسر، لم تحترق.
وفيها،
ظهر وجهه... وظهر وجه آخر بجانبه، ينظر إليه، بنفس الابتسامة الميتة.
مفترق
الطرق: العودة أو الفناء
في
اليوم التالي، قرر مغادرة القرية.
لم يأخذ شيئًا،
لم يودّع أحدًا، فقط مشى على قدميه إلى حدود الطريق.
لكن حين وصل
إلى الحافة، رأى لافتة لم تكن موجودة من قبل.
مكتوب
عليها:
"أنت
الآن تغادر الغريب... أو تدخلها من جديد."
التفت
خلفه، فلم يجد القرية.
ثم
التفت أمامه، فوجد نفسه واقفًا أمام منزل آل شريف... مرة أخرى.
الرسالة
الأخيرة على الحائط:
في
الداخل، وعلى جدار العلية، كُتبت عبارة بخط دم:
"لقد فتحت الباب. الآن... ستنتظر من
يفتحه من بعدك."
وفهم
سليم أخيرًا.
الستار
الأسود لم يكن لعنة على المكان، بل بابًا... ومن يعبره، يُصبح حارسه.
نهاية
الستار... أم بدايته؟
السنوات
تمر، والقرية تعود إلى صمتها القديم.
منزل
آل شريف يُعاد بناؤه، ولا أحد يذكر الحريق، أو الدكتور سليم.
لكن
الغرباء الذين يمرون بجانب القرية، يتوقفون دائمًا للحظة أمام نافذة العلية...
ويرون رجلًا
واقفًا هناك، لا يتحرك، خلف ستار أسود ثقيل...
كأنه يراقب
الطريق، ينتظر الزائر التالي، الذي سيكرر كل شيء من جديد.