الممر الرابع: قصة رعب نفسية لن تنساها
🕯️ الفصل الأول: صوت من تحت الأرض
🧩 همسات
عند منتصف الليل
في الساعة الثانية عشرة تمامًا، حين يتوقّف كل شيء في المدينة عن الحركة، وتخفت الأنفاس خلف النوافذ، كان ياسين العزاوي يفتح دفاتره القديمة في شقته الصامتة بحي “سيدي عمّار”.
![]() |
الممر الرابع: قصة رعب نفسية لن تنساها |
لم يكن الليل كأي ليل تلك الليلة.
كان الصمت أشد كثافة، والهواء يحمل نغمة خفية كأنّه يهمس من بعيد… أو من تحت الأرض.
تردّد صدى خفيف في رأسه. ليست فكرة. بل صوت.
شيء أقرب إلى نحيب مختنق… ينبعث من تحت بلاط غرفته.
نهض وهو يحدّق في الأرض بحذر. تمتم:
– "أنا
مازلت صاحيًا… أليس كذلك؟"
وبينما يضع أذنه على البلاط البارد، سمعها بوضوح:
"لا تفتح الباب الرابع…"
🧱 الممرات
الثلاثة… والممنوع الرابع
في اليوم التالي، جلس ياسين في مكتبة البلدية
يتصفّح أرشيفات قديمة عن مصحة "البستان" للأمراض العقلية، تلك
التي أُغلقت فجأة سنة 1998 بعد حادثة غامضة لم يتحدث عنها أحد علنًا.
وجد مخططًا هندسيًا للمكان، فيه ثلاث ممرات
رئيسية:
- الممر
الغربي: جناح المرضى النفسيين العنيفين
- الممر
الشرقي: قاعة العزل التام
- الممر
الشمالي: غرف الأطباء والمكاتب الإدارية
لكن ما شدّ انتباهه هو مساحة غير مسمّاة… لا تحمل
رقمًا.
وأسفلها بخط باهت جدًا كُتب:
“تم غلق الممر الرابع لأسباب أمنية”
همس لنفسه:
– "أسباب أمنية؟ أم أسباب لا يمكن شرحها؟"
📜 أول
زيارة للمصحة القديمة
بعد غروب الشمس، قرّر ياسين التسلل إلى المصحة
المهجورة.
حمل كشافًا صغيرًا، وكاميرا رقمية،
ودفتر ملاحظاته.
لم تكن المصحة مجرد مبنى مهجور… بل
جسدًا نائمًا، ينتظر من يوقظه.
صوت الريح يداعب النوافذ المحطّمة، والأرضيات
الخشبية تصدر أنينًا مع كل خطوة.
في أحد الممرات، لاحظ شيئًا عجيبًا…
ثلاثة أبواب رئيسية مرقّمة: 1، 2، 3…
وبين الجدارين، هناك شيء محوته يدٌ ما،
كأن بابًا رابعًا كان موجودًا وتم طمسه بالإسمنت!
وبينما اقترب منه، سمع الصوت من جديد:
"ارجع… قبل أن يتأخر الوقت"
🧾 الأوراق
الممزقة في دفتر الحارس
داخل غرفة الحارس القديم، عثر ياسين على دفتر
ملاحظات. أوراق كثيرة كانت ممزقة، لكن بعضها ما زال سليمًا.
كتب أحدهم:
"الليلة خرج أحد المرضى من الباب الرابع… كيف؟ الباب مغلق منذ شهور!"
"الطبيب حسني يختفي كل ليلة لساعة
كاملة… ولا يخبر أحدًا إلى أين يذهب."
"بدأت أسمع صوت طفل يبكي… ولا يوجد
أطفال في المصحة منذ سنوات."
تجمّد الدم في عروقه وهو يقرأ.
فجأة، اهتز المصباح اليدوي… وسُمع ضرب
خافت خلف الجدار الإسمنتي.
لم يكن هناك شك بعد الآن…
هناك أحد خلف الممر الرابع… ويطلب الخروج.
🖋️ توقيع باسم غير موجود
في الصفحة الأخيرة من الدفتر، توقّف ياسين عند
سطر واحد:
"لا تثق في ياسين العزاوي… لقد دخل الممر الرابع
بالفعل."
اتّسعت عيناه. قلبه بدأ بالخفقان سريعًا.
هذا مستحيل! هو ياسين العزاوي… كيف
وُجد اسمه في دفتر مكتوب قبل أكثر من 20 سنة؟
رفع رأسه فجأة، فإذا بشيء يُكتب على زجاج النافذة
المغبرّ بأنفاس خفية:
"عدْ من حيث أتيت…"
لكنّه لم يعد.
بل وضع يده على الجدار المغلق، وهمس:
– "أريد
أن أعرف الحقيقة… حتى لو دفعت حياتي ثمنًا."
في عمق الليل، ومع هبوب ريح غريبة في زوايا
المصحة، كانت شقوق الجدار الإسمنتي تنفصل ببطء.
والممر الرابع… كان يستعد لاستقبال زائره الأول منذ عشرين عامًا.
👣 الفصل الثاني: الممر الذي لا يظهر في الخرائط
🕯️ تحذير من ممر غير مرئي
في صباح اليوم التالي، جلس ياسين في مقهى معزول
في حي "باب دكالة"، يحاول استيعاب ما حدث.
ظل يحدّق في دفتر الحارس، يتصفّح
الصفحة التي كُتب فيها اسمه. لم يكن مجرد تطابق…
كان خطّ الكتابة يحمل طابعًا شخصيًا… كأنّه كتبه
بنفسه، دون أن يتذكر.
أرسل الصورة لصديقه "حمزة"، صحفي شغوف
بالحكايات المجهولة، فالتقيا بعد ساعة.
قال حمزة وهو يراقب ياسين:
– "لو قلت
لي إنك رأيت شبحًا، سأضحك… لكن وجود اسمك هنا؟ هذا مرعب."
ثم أضاف، وهو يتصفّح نسخة من مخطط
المصحة:
– "انظر…
هذه المساحة غير المسمّاة. لقد تعمّدوا إخفاءها. الممر الرابع لم يُحذف فقط… بل
أُجبر على الاختفاء."
💡 الضوء
الذي ينطفئ وحده
عاد ياسين إلى المصحة عند الغروب. هذه المرة أحضر
معه بطارية قوية وكاميرا ذات رؤية ليلية.
عندما اقترب من
الجدار الإسمنتي حيث كان الباب الرابع، لاحظ شيئًا جديدًا…
المصباح المعلق في السقف يشتعل وينطفئ دون انقطاع.
كلما اقترب خطوة، أطفئ.
وكلما تراجع خطوة، أضاء.
كأن الضوء نفسه يرفض أن يرى ما سيحدث.
رفع الكاميرا باتجاه الجدار…
وبينما ينظر في الشاشة، شاهد الباب واضحًا كما لو
كان مفتوحًا.
لكن عندما أنزل الكاميرا… لم يكن
هناك شيء.
همس لنفسه:
– "الممر…
لا يظهر إلا لمن يستحق أن يراه."
🖼️ صورة قديمة على الحائط بلا وجوه
في غرفة الأطباء المهجورة، وجد صورة قديمة مؤطّرة
على الجدار. كانت صورة جماعية لفريق العمل عام 1996.
لكن كل الوجوه
في الصورة… طُمست أو تمسّحت بطريقة غير مفهومة.
كل الأجسام موجودة. كل الأيدي موضوعة بعناية. لكن
الوجوه؟ مجرد بقع رمادية مشوّشة.
إلا وجهًا واحدًا… في أقصى اليمين.
اقترب ياسين أكثر، وعيناه تتسعان.
كان يشبهه تمامًا.
نفس الملامح، نفس النظرات، حتى الندبة الصغيرة
قرب الحاجب الأيمن.
لكن الأغرب أن تحت الصورة، وُضع
توقيع:
"ياسين. الطبيب الجديد."
📚 حكاية
الطبيب الذي اختفى في الجناح الشرقي
بعد بحث طويل، حصل حمزة على مستند داخلي قديم كتب
عليه:
"تم نقل الطبيب ياسين العزاوي إلى الجناح الشرقي يوم 14 نوفمبر 1997.
اختفى أثناء قيامه بجولة مسائية، ولم
يُعثر عليه منذ ذلك اليوم."
تجمّدت الدماء في عروق ياسين.
قال حمزة:
– "هناك
رجل كان يحمل اسمك، يعمل في المكان نفسه، قبل 28 سنة؟
والمصادفة أنه اختفى في الجناح المجاور للممر
الرابع؟"
لم يرد ياسين.
كان يُحدق في صورته القديمة، ويتمتم:
– "أنا لم
أكن حيًّا في 1997… أو هذا ما كنت أظنه."
🔑 المفتاح
الصدئ في الجيب الخطأ
بينما كان ياسين يغادر غرفة الأطباء، شعر بثقل
غريب في جيب سترته.
أدخل يده… ووجد مفتاحًا حديديًا
صغيرًا، صدئًا، محفورًا عليه الرقم:
4.
لم يكن المفتاح هناك قبل دقائق. ولم يكن يحمل
المفتاح معه.
وبينما هو ممسك بالمفتاح، سمع صوتًا خلفه…
خطوات بطيئة، ثقيلة، تأتي من ممر لم يكن موجودًا
قبل لحظات.
استدار ببطء، ووجد بابًا صغيرًا يفتح من تلقاء
نفسه.
لم يكن هناك أي نقش… فقط جدار من
الظلام.
ومن داخله، خرج صوت واضح، خافت، يُشبه صوته:
"عدتَ أخيرًا… لقد كنا ننتظرك."
وقف ياسين أمام الباب المظلم، يحمل المفتاح
المرتجف في يده، والقلب يدق بعنف كأنّه يُنذر بالهلاك.
الممر الرابع لم يعد سرًا الآن…
بل أصبح وجهًا له، وصوتًا يشبهه، وذكرى قديمة لم
يعشها بعد.
لكن الخطوة القادمة، ستكون حتمًا، نقطة
اللاعودة.
🕰️ الفصل الثالث: زمن يتحلل خلف الباب الحديدي
🕳️ الساعة التي تدور إلى الوراء
فتح ياسين الباب الحديدي ببطء، والمفتاح الصدئ
يدور بصوت كأنه طنين حشرة تحت جلده.
وراء الباب، لم يكن هناك ممر… بل هبوط
حاد نحو الظلام، كأنك تنزل إلى أحشاء الأرض نفسها.
ما إن دخل حتى توقفت ساعته اليدوية.
لكن الغريب أنها بدأت بالدوران عكس
اتجاه عقارب الساعة.
دقيقة… دقيقتين… ثلاث.
ثم توقفت تمامًا على رقم لم يفهمه: 03:33
الضوء خفت، والهواء أصبح أثقل، وهدوءٌ ما قبل
الانفجار يسود.
وفي قلب الصمت… بدأ يسمع خطوات.
خطواته.
لكنها تأتي من
أمامه، لا من خلفه.
🧾 السجلات
التي تكتب نفسها
في نهاية الممر، وجد غرفة صغيرة مظلمة، فيها
طاولة خشبية قديمة، وفوقها دفتر ملاحظات مفتوح.
اقترب ياسين بحذر، وأمسك الدفتر ليرى
ما كُتب فيه.
بدأت الصفحات تُقلب وحدها.
ثم توقفت على صفحة جديدة، فارغة،
وبدأت الكلمات تُكتب أمام عينيه… بالحبر… لحظة
بلحظة:
"الساعة الآن 03:33.
د. ياسين العزاوي دخل الممر الرابع
طوعًا.
بداية التكرار الرابع."
تراجع خطوة. لم يفهم.
لكن الصفحة التالية كُتب فيها:
"في التكرار الأول… خرجت مشلولًا.
في التكرار الثاني… لم تجد طريق
الخروج.
في التكرار الثالث… فقدت هويتك.
في الرابع… قد تفقد نفسك."
شهق وهو يقرأ السطر الأخير، وسمع صوتًا خلفه:
"هل تذكّرتني الآن؟"
🎙️ الصراخ المكرر في نفس التوقيت
ركض ياسين عبر الممر الضيق، وصوت الأنفاس يطارد
ظله.
توقف فجأة عند فتحة صغيرة تشبه نافذة
مراقبة، يخرج منها صوت صراخ بشري مفزع.
صراخ امرأة… يتكرر بدقة كل عشر ثوان.
نفس الجملة، نفس النبرة، نفس الرعب:
"لا تتركني هنا وحدي!"
ثم صمت… ثم الصراخ ذاته من جديد.
نظر في الساعة – رغم أنها معطّلة – فشعر أن الزمن
نفسه دخل دائرة مغلقة.
وكأن هذه الصرخة… مسجونة في تكرار
أبدي.
ثم أدرك شيئًا أعظم:
الصوت ليس غريبًا…
إنه صوت أمه.
مقابلة مع نزيل ميت منذ عقود
توقّف ياسين أمام زنزانة مفتوحة، وداخلها جلس رجل
نحيف بملامح شاحبة، يرتدي ملابس مصحة قديمة.
قال الرجل دون أن يرفع رأسه:
– "مرحبًا
دكتور ياسين… تأخرت هذه المرة."
ردّ ياسين بصوت مرتجف:
– "من
أنت؟"
– "كنا
معًا هنا… قبل أن تُغلق الأبواب.
لكنهم لم يغلقوها جيدًا، أليس كذلك؟"
اقترب منه، ولاحظ أن وجهه لا يحمل أي تفاصيل…
مجرد ظل بشري بأطراف محددة.
قال الرجل:
– "أنت
السبب.
في كل تكرار… كنت السبب.
فتحْتَ الممر… وتركتَنا نُسحب إلى
الداخل."
ثم أشار إلى السقف، حيث تعلّقت صورة
قديمة بها توقيع: "الطبيب المناوب: ي. ع."
وفي الزاوية… كان التاريخ: 14 نوفمبر
1997.
يوم اختفاء الطبيب… الذي يشبهه.
🧟♂️ الطابق السفلي الذي لم يُبْنَ بعد
واصل ياسين التقدّم حتى وصل إلى درج حجري يؤدي
إلى أسفل… إلى طابق لم يكن في أي خريطة، ولم يُذكر في أي سجل.
ما إن نزل بضع درجات، حتى بدأ يشعر بالجدران
تتقلّص، والهواء يصبح لزجًا، ورائحة تعفن الزمن تملأ أنفه.
أضواء خافتة تظهر من لا مكان، تومض كنبضات قلب
متعب.
ثم وجد غرفة واسعة، كأنها خُلقت من
كوابيس.
في منتصف الغرفة… سرير طبي قديم.
وعليه ملف مريض.
فتحه وقرأ الاسم: ياسين
العزاوي.
الحالة: انفصام
زمني متقدم – المرحلة الرابعة.
الملاحظة:
"يجب إيقاف التجربة فورًا.
كل دخول للممر الرابع يضاعف الانقسام
النفسي.
النسخة الحالية هي الأخيرة… وإلا
سينهار الإدراك كليًا."
في الزاوية، رأى شاشة صغيرة تُظهر صورًا متتالية…
كلها له.
لكن في كل صورة، كان يختلف قليلًا.
مرة بعينين سوداويّتين، مرة بدون ظل،
ومرة كان ينظر إليه من داخل الشاشة… بابتسامة خبيثة.
جلس ياسين أرضًا، عقله مشوّش، نبضه يتسارع.
لم يعد يعرف إن كان حيًّا، أو ميتًا،
أو مكررًا.
في الظلام، بدأ يسمع أصواتًا تناديه باسمه…
صوت رجل… امرأة… طفل…
كلهم يقولون الشيء ذاته:
"دورك الآن أن تفتح الباب… من الداخل."
⚰️ الفصل الرابع: العائدون من الممر
🩹 الندبة
التي لم تكن موجودة
استفاق ياسين من إغماءٍ قصير على صوت خطوات هادئة
تقترب.
مدّ يده إلى جبينه فشعر بندبة
عميقة لم تكن هناك من قبل.
ركض نحو أحد المرايا المكسورة في
الزاوية، ونظر…
تجمّدت أنفاسه.
الوجه الذي رآه في الانعكاس يشبهه كثيرًا،
لكنه ليس وجهه تمامًا:
– العينان
أغمق
– البشرة
شاحبة كجثة باردة
– وندبة
ملتوية تقطع وجنته اليمنى من أذن لأخرى
همس لنفسه، وهو يتراجع:
– "من أنا
بالضبط؟ … أي نسخة من نفسي خرجت من هذا الممر؟"
🧱 رسائل
على الجدران لا يراها الجميع
أثناء تجوّله في الممر الفرعي، لاحظ أن الجدران
مغطاة بخطوط مائلة…
ليست خدوشًا، بل كلمات محفورة بالأظافر.
لكنه لم يستطع قراءتها.
حاول إضاءتها بالكشاف… فاختفت.
ثم جاءت لحظة عبور "حمزة" للممر، فصرخ
فجأة:
– "ما هذه
الجدران؟! إنها تكتب وتنزف!"
نظر ياسين إلى نفس الجدار… ولا شيء.
فهم حينها:
"الجدران تكتب فقط لمن عاش الألم."
ثم أمسك حمزة بذراعه وقال:
– "الرسالة واضحة… كُتب عليها: "من خرج لم يكن
هو من دخل."
هل تفهم ما يعنيه هذا؟ يا ياسين…
ربما لم تعد أنت."
😨 لقاء
مع وجه يشبهك تمامًا
في إحدى الغرف، فوجئ ياسين برجل يجلس على الأرض،
ظهره للباب، يرتدي نفس ملابسه.
اقترب بحذر، حتى التفت الرجل نحوه…
كان نسخة منه. تمامًا.
قال الآخر بابتسامة:
– "أنت
تأخرت هذه المرة."
– "من
أنت؟!"
– "أنا من
خرج في التكرار الثالث. وأنت؟ رابع؟ خامس؟"
اقترب أكثر وقال بنبرة ناعمة ومرعبة
– "كل من
دخل الممر عاد… لكن لا أحد يعود كاملًا. البعض يعود بدون ظل، البعض بدون صوت،
والبعض… يعود بهيئة لا تُحتمَل."
ثم وضع يده على كتف ياسين وقال:
– "اسأل
نفسك سؤالًا بسيطًا… لماذا لا تتذكر ماضيك جيدًا؟"
📜 الطقوس
التي يجب ألّا تُستكمل
في غرفة مغلقة وجد حمزة كتابًا قديمًا مغطى
بالرماد.
عنوانه:
"دليل
إعادة الإدراك"
وكانت الصفحات مليئة بطلاسم ورموز غير قابلة
للفهم.
وفي آخر صفحة، وُجدت "الطقوس الأربعة"
مكتوبة بعناية:
- ادخل
الممر دون اسم
- احمل
مفتاحًا لا يخصك
- قابل
نسختك
- اقتل
أحدكما قبل الخروج
نظر ياسين إلى حمزة وقال:
– "لو هذا
صحيح… واحد منا لن يخرج."
لكن حمزة تراجع مذعورًا وقال:
– "أنا لم
أدخل! أنت وحدك المسؤول!"
ثم تكسرت الأرضية بينهما…
وصعد دخان كثيف يشبه الضباب الأسود… وظهر من
خلاله وجه آخر، نصفه محترق… ونصفه باسمه.
🕵️♂️ من دخل الممر… ومن خرج منه
في آخر الممر، حيث الضوء الخافت، وقف رجل عجوز
يحمل دفترًا قديمًا.
قال بنبرة مريرة:
– "أنا
كنت الحارس. رأيت الممر يبتلعهم… واحدًا تلو الآخر.
منهم من عاد بلا عقل… ومنهم من عاد
بـ"أكثر من عقل"."
اقترب منه ياسين وقال:
– "هل أنا
واحد منهم؟"
نظر إليه العجوز طويلًا ثم قال:
– "لا.
أنت أول من يعود ويتذكّر كل شيء."
ثم فتح الدفتر على صفحة بيضاء، وبدأ يكتب:
"ياسين العزاوي… خرج من الممر الرابع… في التكرار الأخير.
لكنه لم يخرج وحده."
ارتجف ياسين… ثم سمع الخطوات خلفه.
لم تكن خطوات حمزة، ولا الرجل الآخر.
بل خطوات كثيرة… متعددة… قادمة
نحوه من كل الاتجاهات.
في لحظة صمت غريبة، انفتح الجدار الخلفي ببطء…
خرجت منه ظلال بشرية بلا وجوه…
كلها تتحرك نحوه كأنها تعرفه.
فهم الحقيقة أخيرًا:
"أنا لست الناجي… أنا الحاوي.
لقد جمعتهم جميعًا بداخلي… منذ
البداية."
🩸 الفصل الخامس: نهاية الممر
🔐 الباب
المغلق من الداخل
كان ياسين يُطارد أنفاسه وسط الظلال الزاحفة،
التي بدت وكأنها ذكريات قديمة لم يعد يملكها.
ركض عائدًا نحو بداية الممر… ولكن
الباب الحديدي الذي دخل منه أغلق من الداخل.
لا قفل. لا مقبض.
فقط جدار بارد ينبض كما ينبض جسد
حي.
بدأت الجدران من حوله تتنفس… نعم، تتنفس.
وضربات قلبه تتزامن مع ارتجاف الأرض
تحته.
قال بصوت مرتجف:
– "إن لم
يكن لي مخرج… فليكن لي فهم."
وجلس على الأرض، مستسلمًا، ينتظر أن يُفهم… أو
يُبتلع.
🚷 الخط
الأحمر لا يجب تجاوزه
في الزاوية، لاحظ ياسين خطًا أحمر رُسم بعناية
على الأرض.
فجأة تذكّر…
في كل الأحلام التي راودته منذ الطفولة، كان يرى
خطًا مشابهًا…
خط لا يعبره أبدًا، لكنه لا يعرف لماذا.
اقترب من الخط، وبدأ يسمع همسات، كلمات متداخلة:
"ارجع… لا مزيد من النسخ… لا مزيد من
النسخ!"
لكن خلف الخط… كان هناك باب خشبي قديم مفتوحًا
على مصراعيه، ومنه يخرج ضوء أبيض دافئ.
صوته الداخلي يقول:
"إما أن تكرر… أو أن تنهي التكرار."
تقدّم ياسين ببطء… وتجاوز الخط الأحمر.
🧱 عندما
يتحدث الحائط
فجأة، الجدار المقابل بدأ يتشقق من تلقاء
نفسه، وخرج منه صوت كأنّه صادر من أعماق الذاكرة:
– "أنت من صنع الممر يا ياسين.
فتحته منذ كنت طفلاً… حين اخترت
الهروب بدل المواجهة."
قال ياسين وهو يبكي بصمت:
– "أنا لم
أكن أريد هذا… كنت خائفًا فقط."
رد الصوت:
– "الممر
هو الخوف نفسه.
وكل نسخة منك… كانت محاولة للهرب."
ثم بدأ الجدار يعرض صورًا متسلسلة:
طفل يبكي وحده في غرفة مظلمة،
مراهق يهرب من جنازة،
شاب يمزّق مذكراته ثم ينظر إلى المرآة ويهمس:
"أريد أن أكون أحدًا آخر."
📷 ما رآه
المصوّر ولم ينجُ
ظهر "حمزة" مجددًا، لكن ملامحه كانت
شاحبة كأنّه رأى ما لا يُرى.
قال بصوت منخفض:
– "أنا
صوّرتك… حين كنت هناك… خلف الزجاج.
لكن في الصورة… لم تكن وحدك."
أخرج كاميرته المرتجفة، وعرض الصورة.
كانت صورة لياسين داخل الممر،
لكن خلفه ظهرت وجوه عشرات النسخ منه، كل
واحدة تشبهه لكن بها عيب مختلف:
– واحدة
بعينين مقلوبتين
– أخرى
بلا فم
– ثالثة
تنزف من الرأس
– وأخرى…
تبتسم كأنها تعرف النهاية
قال حمزة:
– "أي
واحد منهم خرج معنا؟"
لكن قبل أن يكمل، سقط مغشيًا عليه، وبدأت الصور
تحترق من تلقاء نفسها.
🕯️ الممر الرابع… من كان أول من صنعه؟
في آخر الممر، وجد ياسين غرفة دائرية مظلمة،
في منتصفها مرآة واحدة.
اقترب منها… ووقف أمامها.
لكن المرآة لم تعكسه.
بل أظهرت طفلًا صغيرًا، بملامحه، يجلس
وحيدًا في الظلام، يهمس:
– "كنت
أنت أول من تخيّل الممر…
وحين آمنت به، أصبح حقيقيًا."
فهم ياسين أخيرًا:
الممر لم يكن مكانًا… بل فكرة
زرعها الخوف في ذهنه، واستمر في تغذيتها حتى أصبحت واقعًا.
نظر حوله وقال:
– "هل
أستطيع إغلاقه؟"
فجاء الرد من المرآة:
– "نعم… بشرط."
– "ما هو؟"
– "أن
تبقى أنت… بداخله."
جلس ياسين على الأرض، وأغمض عينيه، بينما كل
الأصوات تختفي…
النسخ تتلاشى… الضوء يخفت… الزمن يتوقّف.
ثم فجأة، في خارج المصحة، يُفتح الباب الكبير
لأول مرة منذ 20 عامًا.
يدخل رجال التحقيق، ولا يجدون سوى دفتر واحد مغطى
بالغبار.
آخر صفحة فيه مكتوبة بخطٍ واضح:
"تم إغلاق الممر الرابع… إلى حين.
التكرارات توقفت.
النسخة الأخيرة ضحّت بنفسها لتمنع
الانقسام."
وأمام الدفتر…
كانت صورة شخصية لياسين،
لكنها كانت تتحوّل ببطء… إلى وجه رجل آخر لا
يُشبهه تمامًا.
🧠 النهاية… أم البداية؟
هل أُغلق الممر فعلاً؟
هل من خرج من المصحة هو النسخة الأصلية؟
أم أن الممر الرابع… لا يُغلق إلا في الخيال،
ويُفتح حين يؤمن به أحدٌ من جديد؟
🕯️ ربما…
هو الآن خلفك.