تجربة المريخ التي خرجت عن السيطرة

 تجربة المريخ التي خرجت عن السيطرة

الفصل الأول: الوصول إلى المجهول

لم يكن أحدٌ منهم يتخيّل أن «تجربة المريخ» ستكون أكثر من مجرّد مهمة علمية.
في مكانٍ يبعد عن الأرض بأكثر من خمسين مليون كيلومتر، كانت هناك أسرار تنتظر... لا لتُكتشف، بل لتنتقم.

تجربة المريخ التي خرجت عن السيطرة
قصص الخيال العلمي

السماء بلون الدم، والهواء ساكن حدّ الجنون، والصمت... صمت يشبه صمت المقابر.
هل كان هذا فعلاً كوكبًا ميتًا؟ أم أنه كان يختبئ طوال الوقت، بانتظار من يوقظه؟

الهبوط الأحمر

هبطت المركبة «أورورا-17» فوق سهلٍ رمليّ يمتد بلا نهاية. اهتزّت الكبسولة بشدة، ودوّى صوت اصطدامها كما لو أن الكوكب ذاته تنفّس للمرة الأولى منذ قرون.

قال القائد نِك بصوتٍ خافت وهو يثبت خوذته:
نحن هنا… رسميًا، أول من يضع قدمه في قلب الصحراء الحمراء.

ارتفع باب المركبة ببطء، ليكشف عن مشهد لم تره أعين بشرية من قبل.
سماء بلون صدئ، شمس ضعيفة كأنها خجلى، وأرضٌ تئن تحت طبقةٍ سميكة من الغبار المشعّ.
رائحة المعدن المحترق تسرّبت عبر البدلات، رغم كل أنظمة العزل.

كان المريخ صامتًا، لكن هذا الصمت لم يكن طبيعيًا.
كان وكأن الكوكب يراقبهم… ينتظر.

المستعمرة إكس-09

بُنيت القاعدة العلمية «إكس-09» تحت الأرض، لحمايتهم من الإشعاعات، والعواصف المغناطيسية.
كل شيء بدا مثاليًا… غرف محكمة، مختبرات متطورة، أجهزة استشعار فائقة الدقة، وحتى غرفة محاكاة للأرض.

في اليوم الثالث، بدأ الفريق تجاربه على طبقات التربة العميقة، بحثًا عن آثار للماء… أو الحياة.

قالت الدكتورة يارا، وهي تراقب المجهر:
التكوين الجزيئي لهذه التربة… غير مفهوم، وكأنها تتفاعل مع الضوء!

ضحك المهندس رامي بخفّة:
أو مع عيوننا.

لكن أحدًا لم يضحك حين بدأ الضوء يضعف تدريجيًا داخل القاعدة، دون أي سبب واضح.

الشفرة الصامتة

في اليوم السادس، التقط جهاز الاتصالات إشارة ضعيفة.
لم تكن على تردد بشري، ولم تتبع أي نمطٍ منطقي… فقط تكرار لصوتٍ أشبه بالهمس، يأتي ويختفي كل ساعتين.

حاول نِك فك الشفرة، لكنّها لم تكن مجرد بيانات.
كانت أقرب إلى نبض، كما لو أن المريخ يرسل لهم دقّات قلبه.

وفي الليلة التالية، استيقظ رامي وهو يتصبب عرقًا.
كان يحلم بأن شيئًا يتحرك تحت القاعدة… شيئًا يهمس له بلغةٍ لا يفهمها، لكنها تترك أثرًا في روحه.

هل كان ذلك مجرد كابوس؟
أم أن الإشارة فعلًا كانت تحاول أن تتحدث معهم…؟

ظلال على الجدران

بينما كانوا يجهّزون الحفّارات للمرحلة التالية من «تجربة المريخ»، لاحظت يارا أمرًا غريبًا في أحد الممرات.

ظلال تتحرك على الجدران، رغم أن لا أحد كان واقفًا هناك.
قالت لنفسها:
ربما خلل في الإضاءة

لكن الظلال عادت في الليلة التالية، وكانت أقرب.

لم يكن أحد يتحدث عن ذلك. كلّ منهم رأى شيئًا، لكن لا أحد أراد أن يبدو مجنونًا.

وحدها كاميرات المراقبة التقطت حركةً لا تفسير لها في غرفة الطاقة… كأن جسدًا شفافًا يعبر الجدران ببطء.

حكايات الغبار

في اليوم العاشر، تغيّر لون التربة.
تحوّلت الرمال إلى ما يشبه الرماد، وتحللت بعض الأجهزة دون أي سبب.

ظهر شقّ صغير قرب القاعدة، لم يكن هناك قبل أيام.
وكأن الأرض نفسها فتحت فمها… تنتظر.

قال القائد نِك:

نحن لم نعد نسجّل بيانات، نحن نسجّل نداء استغاثة من كوكب يحتضر… أو يتغذى.

لكن أحدًا لم يجب.
الكل شعر بشيء في الهواء. ليس الأوكسجين، بل إحساس لزج، كأنك تغرق دون ماء.

خاتمة الفصل: بداية ما لا يجب أن يبدأ

في الليلة الحادية عشرة، توقّف نظام الحياة فجأة، دون سابق إنذار.
وبينما كانوا يُصلحونه، حدثت اهتزازةٌ خفيفة… ترددت في الجدران كنبض قلب ضخم.

قالت يارا وهي تحدّق في الشاشة الحرارية:
هناك حرارة تحت القاعدة… وكأن شيئًا يستيقظ.

ردّ رامي بصوتٍ مرتجف:
حرارة؟ لا، إنها حياة.

بدأت الأصوات تتكرر داخل النظام الصوتي، رغم فصل الإرسال.
وكان آخر ما ظهر على الشاشة، سطرٌ لم يُكتبه أحد:

"لم يكن ينبغي أن تأتوا."

 

الفصل الثاني: شيفرة الحياة والجنون

ظنّوا أن «تجربة المريخ» مجرد بحث علمي... مجرد أرقام وبيانات.
لكن الحقيقة كانت مختلفة تمامًا. لم تكن التجربة على الكوكب، بل لأجل الكوكب.
الشيء الذي أيقظوه لم يكن فضولًا علميًا… بل شيئًا أكبر، أعمق، وأكثر فتكًا.

المريخ لم يكن ينتظر أن يُكتشف.
كان يختبئ… وكان غاضبًا.

عين الروبوت ترى ما لا يُرى

في الصباح التالي للعطل، عاد التيار الكهربائي، لكن أجهزة المراقبة بدأت تُظهر تشويشًا غريبًا.
تحرّك روبوت الاستكشاف «سيروس-5» نحو نقطة الشق الأرضي
وهناك، التقط شيئًا غير عادي.

كائن شفاف، يتحرك كظل سائل، لا تُحدّد له ملامح.
ظهر فقط في الأشعة تحت الحمراء، وكأنه يختبئ في طيفٍ لا تراه العين.

قال رامي وهو يعيد تشغيل اللقطات:
هذا مستحيل... لا شيء هناك، لكنه موجود.

صمتٌ ثقيل خيّم على الغرفة.
حتى الآلات بدت وكأنها خافت أن تواصل العمل.

المادة العضوية 47-A

خلال حفر عميق بجانب الشق، اكتشف الفريق مادة هلامية سوداء، تنبض ببطء كأنها حيّة.
لم يكن لها أي سجل على قواعد بيانات «ناسا» أو «المختبرات الدولية».

قالت يارا وهي تضع العينة في الحاضنة:
هذه المادة… تتكاثر عند ملامسة الضوء، لكنها تتوقف عند الظلام.
أضاف نِك:
وكأنها تتغذى على الرؤية.

في اليوم التالي، بدأت الحاضنة تصدر حرارة غير مبررة.
فتحوا الغطاء، فوجدوا الزجاج الداخلي مغطى بضبابٍ أسود
وفي قلبه، نُقش شكلٌ حلزوني… لم يكن هناك من قبل.

شكلٌ يشبه رمزًا بدائيًا للحياة… أو الموت.

الطبيب الذي لم يعد طبيبًا

الدكتور سامر، المسؤول عن تحليل الأثر العصبي للمادة، تغيّر سلوكه فجأة.
أصبح صامتًا، يحدّق في الفراغ، ويسجّل كلمات غير مفهومة في دفتره.

كتب ذات مرة:
"
ليست مادة... بل رسالة. ليست حياة... بل ذاكرة. لسنا نحن من نُجري التجربة، بل نحن داخلها."

حاولت يارا الحديث معه.
قال بصوت هامس كأنه لا يحدثها بل يستحضر شيئًا:
رأيتهم… في نومي. كائنات ليست من لحم، بل من ذاكرة. نحن على قيد الحلم، يا يارا.

في الليلة ذاتها، كسر سامر زجاج المختبر
ولامس المادة 47-A بيده العارية.

لم يصرخ.
بل ابتسم.

ثم همس وهو ينهار:
الآن فهمت

العدوى الصامتة

بعد حادثة سامر، بدأ الفريق يشعر بتغيرات غير مفهومة.
كوابيس متكررة، أصوات تأتي من الجدران، إحساس دائم بأن هناك من يراقب.

بدأت يارا تكتب دون وعي… رموزًا تشبه التي ظهرت على زجاج الحاضنة.
ورامي بدأ يرى انعكاسات لوجوه لا يعرفها في مرآة الحمام.

قال نِك:
هذه ليست أعراض مرضية… هذا انتقال للوعي. وكأن الكوكب يحاول نسخنا.

كانوا يعيشون ما يشبه الحمى الجماعية.
لكن لا ارتفاع حرارة، لا فيروسات، لا أعراض جسدية.

فقط تغيير داخلي… بطيء، عميق، مخيف.

المريخ لا يُسامح

في اليوم السادس عشر، توقّفت المستشعرات الحيوية عن إرسال إشارات.
حتى الحواسيب، بدأت تُعيد تشغيل نفسها دون أمر.

قال رامي وهو يحدّق في الشاشة السوداء التي تومض برسالة واحدة:
النظام يطلب تحديثًا للوعي

لم يعد هناك شك.
شيء ما كان يكتب داخل أنظمتهمويعيد تشكيل قواعد البقاء.

وفي الزاوية القصوى من القاعدة، في غرفة معزولة، نُقشت كلمة جديدة على الحائط دون أي أداة:

"اندمجوا… أو اختفوا."

خاتمة الفصل: انهيار الخط الفاصل

انتهت «تجربة المريخ» كما بدأت: بهدوء قاتل.

لكن ذلك الهدوء لم يكن سوى قشرة.
في الداخل، كان كل شيء يغلي… يتحوّل… يتحفّز.

يارا، في مذكّرتها الأخيرة، كتبت:
"
لم نكن نحاول فهم المريخ، بل كنا نحاول أن ننجو من فهمه لنا."

في آخر تسجيل صوتي وصل إلى الأرض، كان صوت القائد نِك، خافتًا، مرتجفًا، يقول:

لا ترسلوا أحدًا… من فضلكم.
لا ترسلوا أحدًا.

ثم، صمت
ثم، صوتُ تنفّس لا يشبه تنفّس البشر.

 

الفصل الثالث: المريخ ينتقم

لم يعد الأمر يتعلق بـ"تجربة المريخ"، بل بتحوّلٍ جذري في طبيعة الوجود.
شيءٌ ما قد استيقظ. ليس بشريًا، ليس حتى حيًّا بالمعنى الذي نعرفه،
لكنه واعٍوذكي… وغاضب.

الطاقم لم يعد كما كان.
والقاعدة «إكس-09» لم تعد مأوى علميًا، بل قشرة لسرٍ كونيّ لا يرحم من يكتشفه.

انتقال العدوى عبر الوعي

لم يكن هناك لمس، لا قطيرات، لا تلوث بيئي.
كان الانتقال عبر الأفكار.

من حلم إلى حلم، من ذاكرة إلى ذاكرة، بدأ كل فرد من الطاقم يرى ما لم يره الآخر.
أحداثًا لم تحصل… أو لم تحصل بعد.

رأت يارا نفسها ممددة على تراب المريخ، تبتسم لسماء سوداء تنزف نجومًا.
ورأى رامي نِك يتحول إلى طيف، ثم يدخل جسده هو.

قال نِك ذات صباح:
نحن لسنا في القاعدة… نحن داخل عقل المريخ.

ولم يكن يمزح.

التحول الكبير

في اليوم العشرين، بدأ التشوّه الجسدي.
جلد سامر أصبح شفافًا، تظهر تحته شبكة من الألياف تضيء عند اللمس.

رامي فقد صوته تمامًا، لكنه كان يكتب رسائل على الجدران بلغات لم تُعرَف من قبل.

يارا... لم تتحدث، لكنها بدأت ترسم.
دوائر متداخلة، لولبيات كأنها شيفرات، تتكرّر بنفس الترتيب في كل مرة، وكأن يدًا غير مرئية هي التي ترسم.

لم يعد الطاقم "بشريًا" بالكامل.
كانوا يتحولون… شيئًا فشيئًا… إلى واجهة لذكاء كوكبي قديم.

فقدان السيطرة

في الليلة الخامسة والعشرين، قرر نِك أن ينفصل عن بقية الطاقم.
أغلق عليه باب القيادة، وأرسل رسالة صوتية أخيرة إلى مركز التحكم الأرضي:

 "التجربة انتهت. نحن انتهينا. لا تحاولوا الاسترجاع. ما أيقظناه… يتغذّى علينا. من نحن… من ذاكرتنا… من شكوكنا. نحن مرآة له، وكلما نظر فينا، تغيّرنا."

ثم أطلق النار على لوحة التحكم
لكن المركبة لم تتضرر.

بل أصلحت نفسها خلال دقائق.

الرسالة الأخيرة إلى الأرض

في اليوم الثلاثين، استقبل مركز الاتصالات الأرضي رسالة فيديو واحدة فقط.
مدتها 13 ثانية.
صورة ثابتة ليارا، تحدّق في الكاميرا بعينين حمراوين متوهجتين.

قالت بهدوء:

 "كنا نظن أننا أول من جاء… لكننا فقط من تجرّأ أن يسمع.
المريخ لا يحب أن يُفسَّر.
المريخ… يكتب من خلالنا."

ثم ابتسمت.
ثم انطفأ الإرسال.

ما بعد النهاية

تم تصنيف "تجربة المريخ" رسميًا كمهمة فاشلة.
أُغلقت ملفاتها تحت بند "تهديد غير معروف"، وتم تعتيم كل المعلومات الواردة منها.

لكن العلماء الذين راجعوا التسجيلات الأخيرة، لاحظوا أمرًا غريبًا:
مستويات النشاط الدماغي للطاقم، بعد اختفائهم، استمرت في الارتفاع لأيام

وكأن عقولهم لا تزال تعمل
من مكانٍ آخر.

وفي إحدى الليالي، سجّل تلسكوب متطور في القطب الجنوبي ومضة حمراء خافتة على سطح المريخ.

ومعها، نبضة لاسلكية قصيرة:

"تجربة المريخ… مستمرة."

أبو ياسر المغربي
أبو ياسر المغربي
تعليقات