الكوكب رقم 9: من هنا بدأت النهاية
الفصل الأول: الرسالة التي لم
يكن يجب أن تُفتح
لم يكن
البشر مستعدين للحظة كهذه...
حين انبعثت تلك
الإشارة من أعماق الكون، لم يسمعها أحد في البداية.
لكن حين
التقطتها محطة نورما الفضائية، تغير كل شيء.
ففي قلب الصمت
الكوني، كان هناك صوت... صوت لا ينتمي للبشر.
عاصفة
الترددات الغريبة
كانت
الليلة باردة فوق سطح القمر الصناعي المدار حول زحل. الزجاج الأمامي لمحطة
"نورما" تهتز كل بضع ثوانٍ، رغم أن كل شيء في الفضاء يبدو صامتًا.
"هل تسمع ذلك؟"
سأل رامي،
وهو ينزع سماعة الأذن عن رأسه، وقد شحب وجهه كأنه رأى شبحًا.
يارا، العالمة المسؤولة عن التحليل
الطيفي، أومأت برأسها ببطء.
"ليس صوتًا
بشريًا… ولا من صنع أي تكنولوجيا نعرفها."
كان
الصوت عبارة عن تردد منخفض، أقرب إلى نبض خافت ينبض عبر الفراغ. يزداد ويضعف، مثل
قلب عملاق يُنتزع من سباته.
الكوكب
رقم 9، هكذا
أظهرته الخريطة على الشاشة، في أقصى حدود النظام الشمسي… هناك، حيث يفترض ألا يوجد
شيء.
تحذير
من قلب الظلام
جملة
واحدة انطلقت لاحقًا مع الترددات… بلغة مشوهة، وكأنها كلمات مغموسة في الطين.
"لا… تفتحوا البوابة…"
لكن
الفضول البشري لا يعترف بالتحذيرات.
وفي مختبر
"نورما"، تم تحليل الإشارة وتفكيك رموزها، ليكتشفوا أنها تشكل سلسلة من
الإحداثيات… تؤدي إلى موقع محدد على الكوكب رقم 9.
بدأت
العيون تتسع. الأصابع ترتجف.
"مستحيل... هذا
الكوكب كان مجرد فرضية رياضية!" صاحت يارا، وهي تنظر إلى الشاشة
المضيئة.
لكن
الحقيقة كانت هناك… سوداء، باردة، تنتظر من يوقظها.
العالِمة
يارا تُشعل الفوضى
كانت
يارا تعرف أكثر مما تظهر.
في ملفات سرية
تعود لوكالة الفضاء الأوروبية، تم ذكر إشارات مماثلة قبل خمسين عامًا… لكنها اختفت
دون تفسير.
"علينا أن نذهب!" قالت بعزم وهي
تنظر نحو رامي.
"هذه لحظة
مفصلية في تاريخ البشرية."
"أو نهايتها؟" همس رامي، وهو
يضغط على زر الحفظ للبيانات.
الغرفة
امتلأت برائحة الإلكترونيات الساخنة، وشاشة المراقبة تومض بوميض أحمر...
تحذير: نشاط مغناطيسي غير طبيعي في المسار المداري.
الخطر
كان واضحًا… لكن الرغبة في المعرفة كانت أكبر.
الرحلة
غير المصرح بها
بعد
خمسة أيام، انطلق الفريق الفضائي على متن السفينة "أوسيرا"، متجهين نحو الكوكب رقم 9، في مهمة غير
معلنة.
داخل
المقصورة، كان الجو ثقيلًا رغم صمت الفضاء.
رائحة الحديد،
ضوء أزرق باهت، وتنهيدات مكتومة.
"هل تشعرون بهذا الضغط على
صدوركم؟" تساءلت يارا، وهي تدون ملاحظاتها.
"إنه ليس من
السفينة... إنه من الكوكب نفسه، كأنه… يعلم أننا قادمون."
أوسيرا اجتازت مدار نبتون، ثم بلوتو، ثم...
الظلمة.
تلك
المنطقة من الفضاء لم تكن فقط مظلمة… كانت خانقة.
كأن الضوء نفسه
يرفض الدخول، وكأن الزمان يتوقف على أطرافها.
وفي
قلب هذا الفراغ، كان الكوكب رقم 9 ينتظر.
خاتمة
الفصل
في
الظلام الذي لا يُقاس، كانت عيون الكوكب مفتوحة.
لم يكن يحتاج
لأن يُكتشف…
بل كان يُراقب
منذ زمن بعيد.
من
الذي أرسل الإشارة؟ ولماذا الآن؟
هل هي دعوة؟ أم
فخ محكم؟
سؤال لم يُطرح
بعد… لكنه كان يوشك أن يبتلع أول إجاباته.
الرحلة
بدأت، والعودة لم تعد مضمونة.
الفصل الثاني: الكوكب رقم 9 – نبض لا ينتمي للكون
الرحلة
نحو المجهول لا تعطي وعودًا...
وفي حضرة كوكب
لم يُسجَّل في أي سجل فلكي، بدأت السفينة "أوسيرا" تفقد يقينها.
الأنظمة تعمل،
ولكن شيئًا آخر يعمل أيضًا… شيء يشبه الوعي، أو ربما الانتظار.
وهنا،
حيث لا زمن ولا صوت… كان "الكوكب رقم 9" يفتح عينيه.
هبوط
في الجحيم المجمد
السطح
لا يشبه أي سطح كوكب معروف.
كانت طبقات
الجليد تتنفس، تتقلص وتتوسع كأنها تلهث.
هبطت أوسيرا
على منصة بيضاء، لكنها ليست صخرية، بل أقرب إلى جلد ضخم بارد.
ما إن نزل
الطاقم، حتى صفعهم الهواء الخالي من الحياة... لكنه لم يكن صامتًا.
كان
هناك صوت طنين خافت…
يأتي من أعماق
الأرض.
أقرب إلى عزف
خفيّ على أوتار مكسورة.
"هل تسمعون
ذلك؟" سأل رامي وهو ينزع خوذته على مضض.
"إنه صوت...
لكنه لا يدخل من الأذنين، بل من داخل الرأس."
يارا
لم تجب. كانت عيناها مركزتين على الأفق الرمادي، حيث كانت أشكال سوداء تتحرك ببطء،
ثم تختفي.
الهيكل
الذي يتنفس
على
بعد كيلومترين، وجد الفريق هيكلًا عملاقًا نصف مدفون تحت الجليد.
بدا كأنه قبة…
لكن ما إن اقتربوا حتى اتضح أنها تشبه جمجمة مقلوبة.
"هذا ليس تكوينًا طبيعيًا، ولا من صنع
بشر…" تمتمت يارا، وهي تلامس السطح المرتجف بيد مرتعشة.
"إنه نبض... تشعر به تحت يدك."
فعلًا، كان
الجليد ينبض ببطء، كقلب يموت ثم يعود للحياة.
تحت
الهيكل، كان مدخلٌ ينفتح تلقائيًا، دون أي كلمة مرور… كأنه يعرفهم.
أضاء
الداخل بضوء أخضر باهت، له رائحة تشبه الطحالب المتعفنة والزئبق.
"هل هو مبنى؟ أم كائن حي؟" سأل إيلان،
الطيار الثاني، وهو يتراجع خطوتين.
لكن
أحدًا لم يجب، لأن الجواب لم يكن مهمًا بعد…
ما كان يهم هو
أن المدخل أغلق خلفهم.
الرسائل
المنقوشة في العظام
داخل
القاعة، كانت الجدران مغطاة بعظام ناعمة، غريبة التكوين.
لم تكن بشرية…
ولكنها مألوفة.
العظام كانت
تشكل سلاسل من الرموز، تشبه اللغة التي التقطتها المحطة سابقًا.
"هذه عظام… كُتبت بها الرسائل، لا
عليها." قالت يارا بصوت مبحوح.
عند
لمس أحد الرموز، دوّت صرخة داخل عقل رامي.
سقط أرضًا، وهو
يصرخ:
"رأيت كل شيء… رأيت الأرض وهي تبتلع
نفسها!"
لكن لم
يكن هناك أي صوت يُسمع. فقط أنفاسهم المتقطعة، ورجفة الضوء الأخضر على الجدران.
اختفاء
الطيار سليم
كان سليم
يراقب المخرج الخلفي، حين اختفى.
حرفيًا... لم
يهرب، لم يُقتل، بل توقف عن الوجود.
"لقد رأيته، كان هناك… ثم لم
يكن." قال إيلان، وهو يمسح العرق عن جبينه رغم برودة الجو.
لكن
الأرض نفسها كانت قد بدأت تتغير.
أقدامهم تغوص فيما
يشبه النسيج العضلي المتحجر.
كان الكوكب
ينبض أسرع… وكأن دخوله أجبره على الاستيقاظ.
"إنه ليس كوكبًا، إنه… سجن." قالت يارا
فجأة.
ثم
أضافت بصوت أشبه بالهمس:
"والأبواب بدأت تُفتح."
خاتمة
الفصل
الكوكب
رقم 9 ليس مكانًا. إنه كائن…
كائن نائم منذ
آلاف السنين، أُغلقت عليه بوابة الزمن ونُسيت.
الآن،
بعد أن زاره البشر… بدأ يتذكّر.
ويتغذى.
واحد
فُقد، والنبض ازداد.
من القادم؟
الفصل الثالث: من هنا بدأت النهاية
بعض
الأبواب حين تُفتح… لا تُغلق أبدًا.
وفي قلب الكوكب
رقم 9، حيث لا صوت للمنطق، كانت النهاية تتهيأ للولادة.
بداية النهاية
لم تكن بانفجار أو كارثة… بل بهمسة.
عقل
الكوكب يستيقظ
في قلب
الهيكل، تنفست الأرض تحتهنَّ للمرة الأولى.
نعم، الأرض
تنفّست.
أصبح
الهواء أكثر كثافة، له رائحة دماء باردة، كأن المكان يفرز ذكرياته القديمة عبر
الجدران.
رامي كان أول من لاحظ أن الأصوات توقفت…
لا نبض، لا طنين، لا حفيف.
بل كان
هناك صوت واحد فقط…
صوت أنثوي،
دافئ، يأتي من داخل رؤوسهم:
"أخيرًا… أنتم هنا."
يارا تجمدت في مكانها، حدقت في الحائط
الرمادي الذي بدأ يُظهر صورًا تتحرك.
صور لأرضنا…
مدن، غابات، أطفال، حروب…
ثم، صور
لمستقبل لم يحدث بعد.
"إنها… تتحدث معنا." قالت يارا،
وهي ترتجف.
"من؟" سأل إيلان.
"الكوكب… هذا الكوكب حيّ."
خيانة
داخلية تقلب الموازين
في عزّ
الرعب، انهار الاتزان النفسي للطاقم.
إيلان سحب سلاحه ووجهه نحو يارا:
"أنت من دفعتنا
لهذا… كل شيء بدأ بإشارتك، كل هذا بسبـ..."
لم
يُكمل.
فجأة، انهار
جسده في ثوانٍ إلى غبار رمادي، كما لو أن الزمن مرّ عليه دفعة واحدة.
رامي
شهق بصوت عالٍ، وتراجع نحو الجدار، لكن صورة وجه ظهرت على السطح الرمادي.
وجه
يشبه يارا… لكن بعيون فارغة.
"كل من حاول السيطرة… اختفى."
"هذا كائن يعاقب الطمع"، تمتمت
يارا.
ولكن…
ماذا عن الفضول؟ هل يُعاقَب كذلك؟
العودة
مستحيلة، والهروب جنون
الطريق
إلى السفينة لم يكن موجودًا.
الطريق تغيّر،
الأرض تغيّرت.
"هذه ليست
تضاريس الكوكب الذي نزلنا عليه!" صرخ رامي، وهو يحاول تتبع الإحداثيات.
لكن
البوصلة كانت تدور... وتدور... دون توقف.
السكون
كان مخيفًا.
كل شيء ساكن…
لكن كان هناك إحساس قوي بأن أحدًا يراقبهم.
"يارا؟ هل نحن محبوسون هنا؟" سأل
رامي، وهو يكاد يفقد السيطرة.
"نحن لسنا محبوسين... نحن جزء من شيء
أكبر. لقد دمجنا الكوكب في وعيه."
عندها،
ارتجّت الأرض تحت أقدامهم.
وخرجت من
الجليد أذرع سوداء طويلة، تشبه الجذور، لكنها تتنفس.
نهاية
لم تُكتب بعد
أمسك
الكوكب أولَ فكرة…
ثم أول جسد.
سُحبت يارا
ببطء إلى داخل الأرض، وهي تنظر نحو رامي بعينين ساكنتين، بلا مقاومة.
"هو لا يقتل... بل يُعيد التكوين."
رامي
صرخ، جرى، بكى…
لكنه لم يسمع
سوى صوتها الأخير:
"قل لهم... لا يقتربوا."
السفينة
"أوسيرا"، التي كان يظنها اختفت، كانت على بعد أمتار…
لكنها مغطاة
بطبقة من الكوكب نفسه، كأنها تُهضم ببطء.
رامي
حاول الصعود…
نجح.
لكنه
حين أعاد تشغيل النظام، ظهرت أمامه رسالة واحدة فقط:
"تم استقبال الإشارة بنجاح… البوابة
فُتحت."
خاتمة
الفصل
عاد
رامي وحده، بعد ثلاثة أسابيع، إلى المدار القريب من الأرض.
لم يتحدث.
لم ينم.
لم يتنفس كما
يفعل الناس.
عيناه
كانت تلمعان بلون أخضر خافت…
تمامًا مثل ضوء
الكوكب رقم 9.
لم
يعرف أحد ما حدث هناك.
لكن بعد عودته،
بدأت أجهزة الاستقبال على الأرض تلتقط نبضات جديدة…
نبضات تشبه نبض
الأرض… ولكنها أعمق، أهدأ، وأكثر إصرارًا على الوصول.
الكلمة
الأخيرة
"من هنا بدأت النهاية…"
ولربما… ما زالت مستمرة.